الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

«حتى إشعار آخر» في عام الفقد

العبارة التي تمثل مخرجاً لكثير من الإجراءات القائمة والمعلقة في زمن كورونا «حتى إشعار آخر»، تضمن من الناحية النفسية عدم طرح سؤال أو استفسار بعدها.إنها عبارة جامعة مانعة، فبرغم السمة غير القاطعة التي تتسم بها إلا أنها اكتسبت صفة رسمية عالمية.

إن اللغة ليست ألفاظاً وجملاً ومعانيَ فقط، إنما هي دلالة نفسية وسياسية وحياة بأكملها، فالتعليم في العالم معلّق «حتى إشعار آخر»، والفعاليات الرياضية والفنية والتجارية متوقفة «حتى إشعار آخر»، ورحلات الطيران والسفر ممنوعة «حتى إشعار آخر»، والمحال التجارية التي تبيع سلعاً غير أساسية مغلقة «حتى إشعار آخر»، والتباعد الاجتماعي وحظر التجوال مفروض «حتى إشعار آخر». إنها العبارة «الزمنية» التي أعاد إنتاجها فيروس كورونا.

الزمن هو الآخر معلّق «حتى إشعار آخر»، متى سيكون الإشعار الآخر؟ وما أسبابه؟ القضاء على الفيروس مثلاً أم اطمئنان الدول إلى تدني خطر التفشي؟ لكن مشكلة الفيروس في حد ذاته أنه سريع التفشي، إذ يكفي وجود حالة إصابة واحدة حتى يُنقل الفيروس إلى عشرات الأشخاص الذين سيقومون بدورهم بنقل العدوى إلى مئات وآلاف الأشخاص غيرهم، إذاً الزمن سيكون مفتوحاً على المجهول، وتلك أزمة كونية لا تقل عن أزمة تفشي الفيروس نفسه.


الزمن الذي أصبح يتداوله الناس وصار يضبط إيقاع حياتهم هو الزمن المرتبط بفيروس كورونا نفسه، زمن حضانة الفيروس أسبوعان، وتظهر الأعراض المتوسطة لمدة أسبوعين، وتحتاج الحالات العادية لشهر كي تتعافى من الإصابة، لذلك فإن إجراءات التباعد الاجتماعي وغلق المدن تبدأ بأسبوعين، وتتمدد كلما تمدد تفشي المرض.


ويحتاج علماء الفيروسات عدة أشهر لتصنيع لقاح، ويحتاج كل لقاح لعدة أشهر كي يجرب على الحيوانات ومن ثم سيحتاج الأمر عدة أشهر أخرى لتجريبه على البشر والتوثق من فاعليته، ليتم اعتماده وتعميمه عالمياً، بمعنى آخر سننتظر حتى نهاية هذا العام لمعرفة أين وصل العلم في موضوع اللقاح.إنه عام كامل ضاع من حياتنا ونحن نتابع تطورات الفيروس وسيرورة حركته وانتشاره.

هل بإمكان أحدنا أن يحتفل بيوم ميلاده في زمن كورونا حتى ولو منفرداً؟ حفلات الأعراس ألغيت ومراسيم العزاء ألغيت كذلك، لأنها تحمل صبغة جماعية تمكن الفيروس من الانتشار، كيف سنحسب هذا العام الغريب في مقبل حياتنا التي عطلها؟ هل يستحق أن يحتسب عاماً كاملاً من حياتنا؟ إنه عام الفقد.. فقد الأحباب.. فقد الدراسة.. فقد الأموال.. فقد المتعة.. فقد التواصل الطبيعي مع البشر والحياة.. إنه عام معطل «حتى إشعار آخر».