الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الخوف من الموت

مناسبة إعادة طرح هذا السؤال الفلسفي، هي الحالة القصوى التي بلغها الإنسان اليوم، من الهلع والخوف، ارتيابا من الموت أمام جائحة كورونا التي بدأت تحصد الأرواح في كل بلاد الدنيا.

شكّلت فكرة الموت هاجسا عميقا سيطر على وعي الإنسان ولاوعيه، وكوّن لديه معضلة وجودية كبرى أصبحت علّة قلقه الدّائم، ومصدر شقائه المستمر الذي لم يجعله ينعم بالمطلق، بلذائذ الحياة وأطايبها، لأن شبح النهاية وهول الإقبار والتحلّل والتدويد، عمّق لديه أنطولوجياً إحساسا دائما بالفجيعة والشقاء وعدم الارتياح التام.

غير أن الديانات حاولت أن تعدّل من هذا التوزّع النفسي المقيت، فقابلت الموت الدنيوي بحياة أخروية قادمة حتى تجعل للعالم معنى للاستمرارية بإقامة مصالحة مع حتمية الموت الواقعي.


وهذا ما مثلته الميثولوجيات القديمة منذ ملحمة كالكامش وحضارات وادي الرافدين ومصر القديمة، كما عرضت له الفلسفة بكثير من التفصيل والتوسّع منذ أرسطو إلى المدارس الفلسفية الحديثة والمعاصرة، حيث أصبح معنى الموت لدى ديكارت تلك الذاكرة العقلية والروحية التي تتجه نحو السعادة والتخلص من القلق في ذلك العالم الماورائي الذي سيلتحق به كافة البشر، هو المعنى نفسه الذي ساقه الفيلسوف سبينوزا لمّا أكّد على أن جزءا من العقل البشري يتمتّع بحياة مطلقة ولو بعد فناء.


بالانعطاف على مواجهة الإنسان اليوم لفيروس كورونا، نرى أنّه سقط في الفجيعة لما جعل من حياته بؤرة للقلق، معزولة عن الوجود الموضوعي، هو لا يجعل من الحجر الصحي في لاوعيه لحظة للاحتماء من تهديدات الفيروس، وإنّما توقّفاً يريده أن يكون مؤقّتا يمارس من خلاله تكرار حياته التي كانت قبل ظهور الوباء، بمعنى هو لا يحجر ذاته لينتقدها، ويتأمّلها بهدف المراجعة ما جعل النظام السياسي المحلي والدولي الذي يحتويه سببا مباشرا للفجيعة وللموت، وأنّ الفيروس ليس إلاّ نتيجة لسقم وجودي عميق رسّخته بشاعة الإنسان وهو يحتفي، بجشع، بالأشياء على حساب الإنسان.

وهو يحجر نفسه مذعورا، أو يرتدي كمّامات بشكل كاريكاتوري، أو يغسل يديه بشكل هيستيري، لا يعتبر الحياة ملكا جماعيا يقتسمه مع الآخر، ولكنّها ملك له فقط، من أجل أن يكون حيّا لذاته فقط، أي لا يعتبر الحجر خلافا للهدف منه، إمكانية للحفاظ على حياة على الآخر أو رعايته، وإنّما إمكانيته هو للنجاة من الموت، ورغبته في النجاة، هي الحقيقة التي تكشف درجة وعيه وهشاشة وجوده الذي سجنته العادة لمّا رسّخت استكانته وانكفاءه السلبي تجاه إغراءات النظام الدولي الجديد الذي خرّب معنى الحياة، وحوّل دلالة الموت الطبيعي فجيعة كبرى تقترن خطأ بإنهاء متعة الالتذاذ.

فهل ستكون فترة الحجر الصحي لحظة مراجعة سياسية ووجدانية لمعنى الحياة والموت، أو أنّها سكون لحظة حماية ذاتية، تؤطرها العادة والتكرار، فقط؟