الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الاعتدال الديني.. وإدارة الأزمات

هناك مقياس للتديُّن المعتل والصحيح في كل الطوائف الدينيَّة، ومعيار لمدى عقلانيَّة هذا التديُّن أو جموحه، ويتم امتحان هذا التديُّن عندما يصطدم بالمسلَّمات، ومدى التعامل مع الأزمات والكوارث.

كما يتجلَّى الشق الديني الوسطي في حفظ النفس الذي يُقدم على حفظ فروع الدين، حينما أقرَّت المجامع الفقهية المعتدلة حزمة من الفتاوى الحكيمة، والحذر من العدوى من هذا الوباء اللعين الذي يطوق العالم، كما أن توحيد مصدر الفتوى من المجامع الفقهية الرسمية أوقف الآراء الشاذة والاستفزازية، وأظهر الحس الإنساني للعلماء والهيئات العامة للشؤون الإسلامية الرسمية.

وقد نبع هذا الحرص من أهمية الحفاظ على النفس البشرية المـُكرَّمة من الأخطار والتهلكة، تلك النظرة التي غابت كلياً عن ثقافة التديُّن المتعصِّب، ما ألجم ألسنة المزايدين والمتشددين، فكانت خطوات منع الزيارة للأماكن المقدَّسة، وإغلاق دور العبادة، وتعليق الصلاة حتى صلاة الجمعة، موقفاً أظهر أصالة الأمة ومدى اعتدال أغلب أطيافها، بعد أن غيّبت أصواتهم لعقود مضت.

وعلى النقيض وجدنا النظرة الدونيَّة للإنسان داخل منظومة التدين المتشدِّد الباطل الذي تصبح أمامه كل القوانين مجحفة والحقوق مختلة، لإذلال الإنسان وللحطِّ من شأنه، وقد ظهر هذا التشدد جلياً في سوء تقدير بعض الهيئات الدينية «المذهبية» المتطرفة لفداحة هذا الوباء بل تمادت في غيها وطمأنت الزائرين في جميع أنحاء العالم وفي التوقيت القاتل بأن المدينتين المقدستين قُمْ ومشهد مصونتان ضدّ كل أشكال الأوبئة، حتى تم تحويل هاتين المدينتين إلى مركز انتشار للفيروس الفتاك، بهدف إخفاء المدى الفعلي لتأثير المرض.

إن ما يحدث يشبه أسطوانة الغاز التي يملأ غازها أرجاء الغرفة، فتشعلها أدنى شرارة، وإنه يدل على عدم المسؤولية في مواقف الحكومة الإيرانية التي ابتلي بها الشعب الإيراني، فلا عجب أن نشاهد المتدينين المتشددين يحاولون اقتحام المزارات بقوة، ويطالبون باستمرارها مفتوحة أمام الناس.