السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

صناعة التفاهة

مقارنة بالسابق وتحديدا بعقود قد مضت، باتت صناعة التفاهة وأنظمة التهريج في عصرنا الحالي هي من تشكل الذائقة لغالبية جمهور المشاهدين من مختلف الأعمار، وإن كانت أكثر بكثير بين الفئات الشابة وربّات المنازل والأطفال، المكونين بدورهم للعملاء المحتملين والمرغوبين للشركات المعلنة والراعية للبرامج، والتي تقوم بدورها على سياسة الكم والعدد وليس الكيف وجودة المحتوى، فليس المهم ما يخلق أثرا راقيا ويرتقي بالذائقة الجماهيرية، وإنما المجدي اقتصاديا والمحفز لسرعة دوران العجلة التجارية المدرة للأرباح، في سلسلة حلقاتها هي المستهلك سواء كان المتفرج في منزله أو الشركة التي تدفع مبلغا ماليا للقناة التلفزيونية كي تعلن لها أثناء عرض أحد البرامج التلفزيونية.

أما أكاديميا، باتت الجامعات والمعاهد البحثية وحتى بعض الرصين منها تابعة لقوى المال الراعية لكراسٍ بحثية فيها لأغراض معينة، والمساهمة عبر أعضاء منها مُعينين في مجالس الإدارة الجامعية، لاستقطابها صوب المواضيع والآراء الداعمة لعمالقة الصناعة والتجارة والتعدين والزراعة وغيرها في العالم، لتسهم كنتيجة بتأكيد وجهات نظر الرعاة الماليين، من خلال ما ينشر ويصدر من أبحاث أكاديمية ومخبرية تنفي شكوك المنظمات الدولية والمجتمعية وغير الربحية المثيرة لها ودفنها بحجج ملفقة، والتي أصبحت الطرف الأضعف في المواجهة بسبب فقدانها قدرتها على استقطاب المتخصصين، وخصوصا بعد التحول الجذري الاقتصادي الذي يشهده التعليم والذي أمسى مؤثرا على استقلاليته، من لحظة ما بات جزء من ميزانياته يتحصل عبر المساهمات والتبرعات من أقطاب الصناعة ولوبيات ضغطها وتأثيرها، المستفيدة بدورها من الجانب الأكاديمي في سبغ المصداقية على بياناتها ومنشوراتها كلما ظهرت احتجاجات مشككة بها ومطالبة بردعها ومعاقبتها والحد من أنشطتها.

صناعة الترفيه هي الأخرى رهينة لسطوة التجارة والمال، بما في ذلك الفن والفنانين، وأحد أهم المسهمين بصناعة التفاهة والإسفاف والانحدار بذائقة العامة الشعبية للحضيض، عبر استغلال النفوذ والمكانة والحضور لتمرير أجندة المنتجين وأغراضهم الربحية.


في هوليوود، صناعة الترفيه ليست فقط مادية بحتة، وإنما أيضا هي أيدولوجية تتعمد تكريس أفكار وقناعات ومفاهيم للمشاهد عن مواضيع بعينها تتناولها بتكرار متعمد وبصورة سواء كانت سلبية أو إيجابية مقصودة لما يُراد الحديث عنه والإشارة اليه.