الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

عن الخروج من بلد الوباء

مما أشكل على البعض، وسط زحمة (كورونا) الجديد، ما يظنونه مخالفة لحديث النبي، صلى الله عليه وسلم: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ ـ أي الوباء أو الطاعون ـ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ»، وأقصد إجلاء كل دولة لمواطنيها من البلدان التي هم فيها إلى بلدانهم الأصلية، لأن النص عندهم معناه منع القدوم على الوباء، ومنع الفرار منه أيضا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فلا تخرجوا فرارا منه"، فيه إشارة إلى جواز الخروج من أرض الوباء، بشرط ألا يكون القصد من الخروج هو الفرار من الوباء، وعن هذه الازدواجية يقول سيدنا ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه: "الطاعون فتنة على المقيم والفار، أما الفار فيقول: فررت فنجوت، وأما المقيم فيقول أقمت فمت؛ وإنما فرّ من لم يجئ أجله، وأقام فمات من جاء أجله".
يقول الحق سبحانه وتعالى، في سورة النساء: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا * مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا}، ومن الآيتين الشريفين يتضح أن الآجال لا يمكن أن تُستأخر، ولا أن تُستقدم، ويفهم من منطوق كلام المولى سبحانه وتعالى أن الخروج بغير نية الفرار من القضاء والقدر جائز، كأن يكون الخروج من أجل طلب رعاية مزيدة وعناية مضاعفة، أو للحرص والطمأنينة، وهو ما تعضده الشريعة الغراء، التي أجازت في نصوصها لمن استوخم أرضا أن يخرج منها لبلد توافقه؛ فقد روى سيدنا أنس بن مالك، رضي الله عنه: «أن ناسا من عكل أو عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكلموا بالإسلام فقالوا: يا نبي الله إنا كنا أهل ضرع، ولم نكن أهل ريف، واستوخموا المدينة فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بذود وبراع، وأمرهم أن يخرجوا فيه فَيَشْرَبُوا مِن ألْبانِها.."، والقصة طويلة، ومعنى قولهم: استَوْخَموا المدينةَ، أي أنها لم تُوافِقْهم.