الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

«الآن».. زماننا الجميل

لا أدري إن كان يحق لي ـ ونحن نعيش أزمة صحية عالمية ـ أن أعبّر عن شيء من ابتهاج وراحة، وأن أرفع الأشرعة والصواري، وأمدد طاقات الحلم والتفاؤل، وقد شهدتُ بنفسي عجائب زمن جميل، لا يشبه زمن الماضي الجميل الذي يحن إليه البعض عند سماعهم لأغنياته الطربية، ولا يشبه زمن البساطة في الحارات الدافئة القديمة، فزمني الجميل الذي أعنيه هو «الآن».

إنه أجمل زمنٍ لأنه كشف في وقت شدة عن معادن أغلى من الذهب، ونفوس أصفى من الماء الزلال.. لقد جعلنا نعقد الهدنة مع الحياة، ونُعِيد ترتيب حساباتنا، لأنه مكّننا من معرفة ما هو قيّمٌ فعلاً، وما هو دون القيمة، ودفعنا إلى استرجاع الأسئلة الوجودية الأولى، واستنباط المعارف الفلسفية التائهة في زمن المادة.. كل ذلك في العطاء الممتد بلا حد.

وفي هذا الوقت يمكن ترجمة العطاء بمبادرات تطوعية عديدة، تم إطلاقها الواحدة تلو الأخرى لتفتح مسارات خلق مستمرة لا تنتهي، وأجمل ما فيها أنك لا تعرف إلى أين تقودك، فأنت مواظبٌ على المسير بلا توقف.


هذه ليست الإلياذة ولا الأوديسة، وليست جلجامش، هذه ملحمتنا نحن التي لن تتكرر، التي في أوقات الرخاء قد نتسابق لحجز أغلى التذاكر لمشاهدتها على مقاعد وثيرة في مسرح فخم، ونصفّق بحرارة لفريق العمل، لكن اليوم، فريق العمل هو نحن، فماذا نحن فاعلون؟ إن لكورونا المستجد عدوى لم نستطع قهرها حتى اليوم إلا بعدوى أكبر منها، وهي عدوى الإيجابية والمعنويات العالية.. عدوى الطاقات العظيمة من الكون والطبيعة، والأصوات الداخلية التي يشوّشها البشر بين الفينة والأخرى.. إنه وقت التمام في الصفاء، والتأمل، والعطاء الممتد بلا حد.