الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

رمضان.. المداد والميعاد

ساعات تفصلنا عن محطة كم نحن لها أحوج إليها، وكم نحن لها بشوق مرتقبون بقلوب أوجعتها الخطوب، وأتعبتها الدروب، وحيل بينها وبين أن تغادر البيوت، شهر رمضان نزهة الروح المشتاقة، ووطن القلوب المتعبة، قبلة الأماني التائهة، وبستان الدعوات وبوابة القاصدين المتضرعين.

يأتي رمضان هذا العالم ونحن لسنا كما كنا، لحكمة اختزنها علاًّم الغيوب، يأتي رمضان هذا العام والنفس مليئة بالشجون بين فقد وافتقاد، وعزل وانكسار، وتباعد اجتماعي فرضته الظروف على الجميع، وأحوال وأمور مسكوت عنها في صمت الهامسين وأنين الصامتين بين تأمل وتدبر وتفكر.

يا رمضان، جئت في موعدك، ونحن بين مسعى الدعاء والرجاء مرابطون.. علنا بك ومعك وفي حضرتك يغمرنا يقين المنتظرين وسكينة السالكين، ونستشرف برحماتك وغفرانك العبور الآمن.


يا رمضان، هذا العام ستختلف طقوسنا التي اعتدناها، سيغيب السهر والسمر مع الأحبة والأصحاب، علنا بك ومعك وفي حضرتك نُرزق تجليات الخلوة فيُزيح عنا رب العزة الكرب والغمة.


يا رمضان، سنغيب عن صلاة التراويح في جماعة وقد حبست الخطى عن المساجد لقدر لا نعلمه، علنا بك ومعك وفي حضرتك تبارك صلواتنا والأذكار، وتُقبل ابتهالاتنا في الأسحار، وتجمع شتات قلوب أحبتنا ومن فقدنا وصالهم، وشوقنا لا ينتهي نحو لقائهم.

يا رمضان المآذن تنادي والأقدام لا تحملنا لعظم الخطب، علك تملؤنا بمنازل عامرة نابضة آمنة ذاكرة مرتلة، وقلوب بالدعاء محتسبة مطمئنة، علنا بك ومعك وفي حضرتك تجري مدامعنا رجاء أن يعيدنا الرحيم، ويأخذ بنواصينا، فمن غيره يرجى ومن دونه يدعى؟

يا رمضان، لن نسعد بأحبة كثيرين على مائدة الفطور، وستغيب كل طقوس ضيافتنا من كريم بركتك، علنا بك ومعك وفي حضرتك تصدح قلوبنا بالدعاء لشركائنا في الإنسانية والبشرية ونحن في حضرة الغياب.

يا رمضان، كأن البلاء آثر انتظارك، علنا بك ومعك وفي حضرتك نعيش لياليك بقلوب وجلة ذاكرة، وعقول قارئة متدبرة، فننهل من بركاتك نهل الظمآن، ونعود عودة الشارد نحو مداد السماء.

يا رمضان علنا بك ومعك وفي حضرتك، يرفع رب السماء البلاء، ويرحم البلاد والعباد، وينقشع الغيم وينبلج فجر الليل البهيم.

ربما طقوس رمضان هذا العام ستتغير، لكنه لا يزال شهر المدد والمداد، الخيرات والنفحات، الموعد والميعاد، التجليات والرحمات، طموح تجلّي رضا الرحمن والعتق من النيران.