الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

ماذا تقول المصافحة؟

إننا نتعلم فهم العالم من خلال مجموعة من الحواس اللغوية والبصرية والحسيّة، وهي جميعها سياقات تؤدي أدواراً اجتماعية وثقافية معينة، تنمو مع تطور المجتمع وتتغير بتغيره، ومن تلك الحواس: اللَّمس، فهي من العلامات الأساسية التي تنبني عليها هُوية المجتمعات في تنظيم علاقاتها الاجتماعية في التواصل فيما بينها.

ولهذا كان تشييد النظام الاجتماعي في المعاملات قائماً على فهمنا للواقع «الدين، والعادات والتقاليد...»، بالإضافة إلى فهمنا لذواتنا، وبالتالي، فهمنا للآخر، ولهذا فإن «دانيال تشاندلر» في كتابه «أسس السيميائية» يقرر أن «إحساسنا بذواتنا كنقطة استقرار هو تشييد اجتماعي يتزاحم على تحديده حشد من الشفرات الاجتماعية في ثقافتنا».

إن هذا الحشد الذي يتحدث عنه تشاندلر، هو تلك السياقات التي نضع فيها أنفسنا من أجل الوصول إلى بناء علاقات اجتماعية منصفة لنا وللآخر، ولهذا فإن عادات المصافحة في اللقاءات تتأسس كلها من تلك الأنماط التي ينتجها التشييد الاجتماعي، فهناك طرائق عدة من المصافحة بين الجنسين عرَّفها التراث الثقافي تدل على دلالات متعددة، فهناك «المخاشم»، و«السلام بأطراف الأصابع»، و«السلام بقبضة اليد»، و«السلام باليد فوق اليد»، و«السلام باليد والأخرى فوق الكتف» وغيرها، وهناك طرائق أيضاً للمصافحة بين الجنسين المختلفين «ذكر، وأنثى»، تحددها الأعراف والعادات، تختلف جميعها باختلاف القيم والأعراف التي تتميز بها شعوب العالم.


ولهذا، فإن هذه العلامات الحسية في المصافحة أسست ما يُسمى بالـ«البروتوكول» الذي أصبح ضمن معطيات العولمة، إلا أن العالم، اليوم، في ظل الظروف الصحية الحالية، ابتدع مجموعة من الطرائق، التي يمكن من خلالها أداء التحية دون لمس اليدين، الأمر الذي أدى إلى تغير في مفهوم المصافحة وآدابها، ودور المجتمع في تقنين وسائله، حيث أصبح العالم كله متفق على تأسيس نمط حسي مقنن يعتمد على الأوضاع الصحية أكثر من الأوضاع الاجتماعية المعتادة في ابتكار مثل هذه العلامات.


إن وضع «كورونا» الصحي أسَّس أوضاعاً اجتماعية، وابتدع سياقات في المصافحة، مثل: مصافحة الكوع، أو القدم «تحية أوهان»، أو تلويح اليد في الهواء، أو حتى بالنظر والابتسام، وهي علامات ما كانت واردة في سياق اجتماعي واسع كما هي اليوم، الأمر الذي نقلها من سياقاتها الخاصة فيما قبل كورونا إلى سياقها العام أثنائه، وربما بعده، فهو تحول وتغير في التاريخ الثقافي لهذه العلامات الاجتماعية، ولدلالتها أيضاً، فبدلاً من أن تقول المصافحة «مرحباً بك»، أو «اشتقت إليك» تقول «لا لكورونا»، أو «احمني واحمِ نفسك»!.