السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

كيف نقضي رمضان؟

سؤال طرحه عليّ أحدهم، ولم أستطع حتى التوسع في التفكير فيه، وهو: كيف ستقضين شهر رمضان هذا العام؟ فأنا، مثل كثيرين غيري، أشعر أننا فقدنا بوصلة التخطيط لشؤوننا، وصرنا منجرين خلف قوة خفية كبيرة تفرض علينا ما نفعله وما لا نفعله، لكن الذاكرة، في نشاط لا إرادي منها، قادتني إلى استنتاج أنني، بشكل عام، قد غيّرت برامجي لشهر رمضان غير مرة، بفعل تغير ظروف حياتي ذاتها، وهذا يعني أن تغيير برامجنا التي نرى أنها أقرب للطقوس، بالإمكان تغييرها، والتجاوب مع المستجدات الراهنة، دون أن يترك ذلك أثراً نفسياً سيئاً فينا.

في فترة ما، كان لديّ كثير من الفراغ كنت أقضيه في التعبد.. كنت أقصد المسجد يومياً لأداء التروايح، ثم مرتين في العشر الأواخر لأداء صلاة القيام، وكنت أتمكن من ختم القرآن الكريم مرتين في الشهر، ومع تعقد أمور الحياة والتزامات العمل وباقي الارتباطات، قلَّت مساحة التفرغ للعبادة وصرت بالكاد أختم القرآن مرة. ثم مع ميولي للتعبد الذاتي، صرت أصلي التروايح والقيام في المنزل، وبحكم واحد في ساعة متأخرة من الليل.

أما الالتزامات الاجتماعية، فقد كانت تزيد مساحتها سنوياً، فشهر رمضان هو شهر اجتماعي أيضاً، وليس شهراً للعزلة، أو للسفر أو الابتعاد عن الآخرين، غير أني أصنف نفسي بأني لست من الأشخاص النشطين اجتماعياً، والمتمتعين بعلاقات كثيرة يجب الوفاء بمجاملاتها، ما يشكل مصدراً للراحة عندي، ويعفيني من قائمة الاعتذرات، والتذرعات التي تزعج الآخرين.


لذلك، فقد أعدت إقناع نفسي بأني سأقضي شهر رمضان بشكل طبيعي، وبأسلوب متجدد هذا العام، فليس لدي عائق من الوفاء بعلاقاتي الاجتماعية على النطاق الضيق والحذر، وسيكون لديَّ متسع من الوقت للقراءة ولانتقاء ما أتابعه من المسلسلات التلفزيونية، فقد صار لدي اهتمام أن أتتبع أثر المتغيرات السياسية والاجتماعية على الإنتاج الدرامي خصوصاً بعد أحداث 2011، وأن أتابع، كذلك، ردَّات الفعل النقدية والاجتماعية تجاهها، فكلها تنمُّ عن مفسرات لما حدث وسيحدث، وكلها كواشف لطبيعة الواقع الاجتماعي العربي المتذبذب.


ما دامت قلوبنا تنبض بالدماء الجارية في عروقنا، فلا شيء يوقف عجلة الحياة، وكل المتغيرات هي فرص لإعادة اكتشاف ذواتنا ومركباتها ونوازعها، وقد تكون مساحات التغيير أكثر فائدة من الدوران في حلقة التكرار، التي، وإن خلقت المتعة، فهي في نهاية المطاف شكل من أشكال الرتابة التي ألفناها.. وشهر رمضان لهذا العام فرصة لكي نغير ونتغير بوعي وإحساس وخشوع.