الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

رمضان.. وتربية الإرادة

تستوقفني دائماً النماذج التي تتحدى الصعاب، الملهمة التي تتخطى حواجز ضعفها وخوفها بإرادة فولاذية، وتبدأ من العدم كأولئك الذين يولدون قُصّراً بلا أطراف، يزحفون على بطونهم بأجسادهم الضئيلة، ويقبضون بثقة على أطراف الحياة بنواجذهم، وتجدهم ينجزون أكثر من الأصحاء المكتملين!

بلا شك أن الإرادة هي المفتاح، والوقود الذي يُحرّك الفرد لتحقيق أحلامه ونسج حياته التي يريد، رافضاً الاستسلام أو الرضوخ، مقابل تلك القصص المبهرة لا نملك إلاّ أن نخجل من أنفسنا، كلما اعترضتنا بعض تفاهات حياتنا اليومية، ووقفنا أمامها بروح العاجز لا بروح المجتهد المثابر.

ظاهرة السمنة المفرطة باتت من متلازمات دول الخليج قاطبة، وهي ظاهرة لها أسبابها، لتحولنا من شعوب منتجة كادحة إلى شعوب تواكلية بامتياز.


السمنة نتاج تراكم زمني ـ بيئي ـ ثقافي ـ استهلاكي، من الرضاع حتى الوصول إلى مرحلة العجز؛ من تآكل للركب وانسداد لشرايين القلب وسلة لأمراض طويلة متصلة ببيت الداء، ولأننا عصريون وتواكليون بكل تفاصيل حياتنا، بتنا نحبذ الطرق المختصرة في حل مشاكلنا الصحية وإن كلفتنا حياتنا، فعملية إنقاص الوزن ترتكز على التغيير الجذري لنمط الحياة، وليس باستئصال لعضو حيوي توسّع بسبب النهم، فمن غير المعقول أن نُخضع ما يقارب 80% من سكان الخليج لهذا الإجراء الجراحي القاسي باعتباره حلاً لظاهرة مستشرية في مجتمعاته.


وطالما ربطنا شهر رمضان بالمائدة وبشهوة البطون، فهو أيضاً موسم البدايات المفصلية في حياتنا، فرصة لتربية وتعزيز الإرادة للإقلاع عن كثير من السلوكيات والعادات السيئة، بترويض النفس الجامحة على الطعام وشهوته وغير الطعام وملذاته، بتغذية الروح واستشعار نفحاته وتلمس سمو غاياته.