الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

هل نستطيع استعادة إنسانيتنا؟

بعد أن تمكنت الثورة الصناعية من العالم، وتحكمت فكرة التصنيع في السلوك الإنساني، وسادت الثقافة الفوردية Fordism ـ نسبة إلى «هنري فورد» صانع السيارات الشهير، تلك الثقافة التي بدأت بتوزيع المهام على العمال في المصانع، بحيث يكون لكل عامل دور محدد، قد لا يتجاوز أن يقوم بلف صامولة أو «برغي» مرة أو مرتين مع كل قطعة جديدة.. هنا تحول الإنسان إلى جزء من الآلة، أو مكمل لها، بل قد يكون خادماً للآلة ومستوعباً فيها، هذه الثقافة خرجت من المصنع إلى المجتمع، وتحول المجتمع إلى مصنع كبير، فقد فيه الإنسان إنسانيته، وتم تنميطه أو تصنيعه ليكون آلة ميكانيكية في معظم نواحي حياته.

وفور انتهاء فترة الكساد الكبير 1933-1929، وبالتحديد في عام 1936 قدَّم الممثل البريطاني الأشهر السير شارلي شابلن (1977-1889) فيلمه الصامت الرائع «الأزمنة الحديثة» Modern Times، الذي أنتجته هوليوود، والذي تدور أحداثه في مصنع يعمل فيه شارلي شابلن في وظيفة بسيطة جداً، يمسك في كل يد بمفتاح يلف بكل واحد منهما صامولة أو برغي لفتين، وصاحب المصنع يراقب العمال بالكاميرات، بل إنه اخترع آلة تطعم العمال أثناء العمل حتى لا يضيعون الوقت في الأكل.. تحول شارلي شابلن العامل البسيط إلى آلة، ونسي أنه إنسان، فعندما جاءت تزوره خطيبته تخيل أن أزرار فستانها صواميل، فجاء بالمفتاح ليقوم بلفهم لفتين.

هذا العمل الفني الصامت كان موضوعات لكتابات العديد من المفكرين والفلاسفة، وعلى رأسهم الفيلسوف الفرنسي هنري بيرغسون الحائز على جائزة نوبل 1927، لأنه شخَّص بدقة شديدة كيف طغى الاقتصاد على الاجتماع والثقافة، وكيف مسخت الصناعة الإنسانية، وقضت على الحياة الاجتماعية، وكيف تحول الإنسان إلى شبه آلة، أو خادم للآلة. كان هذا الفيلم صرخة تطمح في أن تستعيد إنسانية الإنسان، قدَّمها الساخر العظيم شارلي شابلن.


واليوم، نحن في لحظة تاريخية دقت ناقوس الخطر للإنسانية، مثلما فعل الكساد الكبير قبل تسعين سنة من الآن.. فهل ستكون هذه اللحظة، التي نعيشها مع ما فرضه فيروس كورونا على العالم، ناقوس خطر يدعو البشر جميعاً أن يستعيدوا إنسانيتهم؟ بعد أن اتضح لهم أن كل ما قاموا به من إنجاز في الصناعة والتكنولوجيا والاقتصاد لم يستطع أن يحميهم، أو أن يحول دون أن يتعاملوا مع هذه الجائحة بنفس الأسلوب البدائي الذي كان سيتعامل به أجدادهم القدماء من ساكني الكهوف، مجرد العزل في البيوت والتباعد الاجتماعي.. وهل نستطيع استعادة إنسانيتنا؟