السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الأوبئة.. والتاريخ

يذكر كريستوف بوميان في كتابه (نظام الزمان): أن العلم هو معرفة الأشياء بأسبابها ومبادئها. ولهذا فإننا عندما نريد أن ندرس التاريخ بوصفه علماً، فإن علينا دراسة دوافعه وآرائه من خلال معرفة البشر الذين يقدمون مادته، للوصول إلى منجزاتهم وخفاياهم، لذا، فإن دراسة تاريخ الأوبئة تندرج ضمن معرفة البشر وطرائق عيشهم وبيئتهم، وما يسيطر عليهم من عوالم خفيَّة حولهم.

إن تاريخ الأوبئة التي مرت على البشرية سواء (الطاعون، أو الجدري، أو الكوليرا، أو الحمى الصفراء، أو الملاريا في الماضي أو سارس أو كورونا وحتى كورونا المستجد)، كلها تكشف الاستجابة لدى الإنسان وضعفه، وقدرة الأنظمة الاجتماعية والسياسية، وبالتالي الصحية على الصمود أمام هذه الأوبئة، والتاريخ مليء بتلك الإرهاصات والتحديات التي مرَّت بها الإنسانية، الأمر الذي يجعل المختصين يعكفون على الدراسات والمواجهات من خلال (علم الأوبئة)، الذي يراقب ويدرس من كثب ما يقع في الجماعات والمجتمعات الإنسانية ويقيمها.

ولهذا، فإن تاريخ الأوبئة في منطقة الخليج العربي يكشف قدرة المنطقة وأنضمتها الاجتماعية والصحية، التي استطاعت في القرون الماضية الصمود بالرغم من تواضعها للحد من انتشار الأمراض والأوبئة في المنطقة من خلال الإمكانات الطبية المتاحة في تلك الفترات.


لقد مرت مثلاً، سلطنة عُمان بالعديد من الأمراض والأوبئة في القرنَين الماضيَين، بفعل التواصل الحضاري الكبير الذي كان يتم عبر التبادلات التجارية وقلة الإمكانات الطبية وغيرها، ولهذا فقد سعى أئمة عُمان وسلاطينها، إلى توفير الإمكانات للحد من انتشار الأوبئة، وإنشاء المراكز الصحيَّة خاصة في القرن التاسع عشر، منها المستشفى الخيري الذي افتُتح عام 1910، ومستشفى الإرسالية الأمريكية (السعادة) الذي افتُتح عام 1914، والذي كان مُخصَّصاً للنساء وغيرهن.


ولأن الأوبئة مرتبطة بالحجر الصحي، فإن منطقة الخليج العربي اعتنت عناية فائقة بمناطق الحجر، ولعل التنافس السياسي على المنطقة كان له الأثر الكبير في إيجاد مراكز للحجر الصحي تضمن خلوها من الأمراض والأوبئة، خاصة في الموانئ والسفن، وتكشف الوثائق والمخطوطات عن العديد من مناطق الحجر وطرائق الوقاية من العدوى، ففيها كثير من الشواهد الدالة على قدرة المنطقة وأنظمتها الاجتماعية والصحية للتصدي لتلك الأوبئة وتجاوز مخاطرها من ناحية، والكشف عن حلول مبتكرة واستثمار للموارد من أجل معالجة آثارها والاستفادة منها من جهة ثانية، ولهذا علينا اليوم في ظل الإمكانات المتوفرة، تقديم دراسات ضمن (علم الأوبئة)، الذي يفتح آفاق العمل الطبي في ظروف استثنائية.