السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

كيف نفهم مجتمع «الميم»؟

أقل ما يوصف به أنه «وقع صدمة»، ذاك الذي أحدثه اعتراف الفنان الكبير هشام سليم بتحول ابنته (نورا) إلى ابنه (نور)، وكان واضحاً أن الاعتراف لم يكن مخططاً له، وأن تلقائية الاعتراف كانت شديدة واعتراها اضطراب وارتباك بديهيان، فليس سهلاً أن تقف شخصية مؤثرة ومشهورة هذا الموقف أمام جماهير غفيرة في شهر رمضان، وليس سهلاً من الأساس أن تكون أنت صاحب المعاناة والأزمة، ستكون على يقين أن أحداً يجلس مجلساً وثيراً في برجه العاجي لن يتفهمك، وسيصدر أحكامه المرفهة من موقعه هو لا من موقعك أنت.

أزمة اضطراب الهوية الجنسيَّة تجاوزت حدود الغرب، وبدأت تلح أمام أسوارنا العالية المحصنة، نحن أعتى المجتمعات التقليدية التي ترفض إعادة التفكير فيما نعده مسلمات، ونرفض مجرد الإصغاء لنتائج البحوث المختبرية، ونرفض إعادة النظر في أحكامنا السرمدية، فتح هشام سليم الباب على مصراعيه أمام هذا التابو متحملاً مسؤوليته كأب لشاب يعاني من هذا الوضع المفروض عليه، حيث ما تزال مجتمعاتنا تنظر إلى اضطراب الهوية الجنسية على أنه انحراف سلوكي يحتاج إلى علاج نفسي واستتابة، وفي أفضل الحالات علاج هرمونات فقط لا غير.

وفي السنوات الأخيرة فقط تم الاعتراف قانونياً بحالات الازدواج الجنسي، وهي أبسط حالات اضطراب الهوية، حيث يولد الشخص بأعضاء جنسية مضمرة تسهل عملية التحول الجراحي، ولكن ظلّت بقية الحالات مثار ريبة وتشاؤم من المجتمع.


ولا شك أن القضية ليست سهلة التقبل في مجتمعاتنا، خصوصاً بعد استغلال كثير من المنحرفين من مضطربي الهوية الجنسية لوسائل التواصل الاجتماعي، والتعبير عن انحرافاتهم غير المستساغة من المجتمع، ولكنَّ الإشكالية الثقافية التي ما تزال مجتمعاتنا عالقة في شركها، هي الحكم على المنتج السلوكي لهؤلاء قبل التعمق في النتائج العلمية.


فماذا يقول العلم عن (مجتمع الميم) المتحولون والمزدوجون والمتسائلون؟ وما هي الحلول الصحيحة لنمط حياتهم وللتعامل معهم؟ هذه الأسئلة قد تكون مرفوضة لدى الغالبية العظمى من مجتمعنا، ما يعيق فهمنا لحقيقتهم، ويعطل تحول أغلب أعضاء (مجتمع الميم) إلى مواطنين صالحين.

ما يتعين علينا فهمه مبدئياً، أن اضطراب الهوية الجنسية ليس فقط ميولاً جنسية مغايرة للمألوف، بل هو نمط حياة مختلف تماماً للفرد عما يراه الناس، وعما فرضته طبيعة الولادة.. إنه تعبير آخر عن الذات في اللبس واللعب والهوايات والعمل، يختلف عما تعكسه المرآة، إنه أحد التابوهات القديمة التي تزحف الاتجاهات العالمية بها إلى مجتمعاتنا.. وعلينا فقط الاستعداد لفهمها ومواجهتها.