الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

الحداثة سرقت حياتنا.. فهل يعيدها كورونا؟

في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وفي رحلة الانشغال بالتحصيل العلمي من جميع مصادره المتاحة، وفي جلسة من الجلسات الطويلة مع العالم الموسوعي الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق، دار الحوار حول متى وكيف حدث التغيير الجوهري في المجتمعات العربية؟ وكانت الخلاصة أن ذلك حدث عندما تغير البرنامج اليومي للإنسان العربي.

إن تغيير البرنامج اليومي للإنسان قد يبدو للوهلة الأولى أمراً بسيطاً، وأحياناً محبباً، لأن الإنسان عادة يحب التغيير، خصوصاً إذا كان هذا التغيير موصوفاً بأوصاف تمنحه الفخامة والعظمة، مثل: التحضر، والرقي والتقدم، والعصرنة، والحداثة، والمدنية.. إلخ، حينها يكون التخلي عن القديم، وتبني الجديد ميزة تنقل الإنسان من حال إلى حال، وتجعله فخوراً بوضعه الجديد، وكارهاً لحاله السابقة، التي قد تشعره بالخزي والعار.

البرنامج اليومي للإنسان العربي كان له إيقاع آخر، يبدأ قبل شروق الشمس، بداية روحية يتواصل فيها مع الخالق في سلام مع الكون بصلاة وذكر ودعاء، تصفي الذهن وتشحن الطاقة الإيجابية وتبعث التفاؤل والأمل، ثم تجتمع العائلة على الفطور، ويخرج الباحثون عن الرزق إلى أعمالهم في أماكن قريبة من بيوتهم، لا تستهلك المواصلات من حياتهم كثيراً، وبعد الظهر يعود الجميع إلى بيوتهم للغداء والراحة، وقد يعود بعضهم إلى العمل مرة أخرى لوقت قصير، وينتهي كل شيء قبل غروب الشمس.. تلتقي الأسرة على الوجبات الثلاث، وتتواصل بصورة لا تجعل هناك فجوات نفسية، ولا ذهنية، ويستريح الجسد من العناء في منتصف النهار، ويكون الليل للأنس بالأصدقاء والأهل، وللقراءة والتمتع بالفنون المختلفة، حجم ما يأخذه العمل يتراوح من ربع إلى ثلث اليوم، وليس هناك أوقات ضائعة في المواصلات، وليس هناك إهدار للأعمار في الطرق المزدحمة.


كل ذلك لأن الإنسان كان محور الحياة والكون، سعادته وصحته وراحته وعلاقاته الإنسانية، ثم جاءت الحداثة فجعلت الاقتصاد مركزاً للكون، وأصبح المال هو الهدف، بغض النظر عن استخدامه أو توظيفه، وأصبح الإنسان مجرد وسيلة لتحصيل المال، ومن أجل ذلك يضيع أكثر من نصف يومه ذهاباً إلى العمل وعودة من العمل، بحيث يعود إلى بيته منهكاً، فارغاً من الروح والطاقة، غير قادر على العطاء، أو الإبداع، لذلك نجد جيوش العاملين هؤلاء مجرد أدوات غير مبدعة، ونجد مراكز الإبداع مثل شركة أبل، ليس فيها مفهوم الدوام اليومي للموظفين، وليس فيها ساعات عمل محددة.. والآن بعد حالة البقاء في البيوت التي نعيشها مع كورونا.. هل سنستطيع تصحيح الخلل الذي حدث في برنامج حياتنا؟