الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

إنها فرصة علمية عملية

من أبرز نوازل وقضايا فيروس كورونا المستجد؛ الحجر الصحي، والعزل المنزلي، وأداء العبادات والشعائر في البيوت وغير ذلك، ولعل من أول ما ينبغي أن يعلمه كل إنسان هو أنه لا يوجد تناقض بين الإيمان والعلم، وأن كل فرد منا في حاجة إلى الدعاء، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن يتم الاستغناء عن الدواء، ولا تعارض بينهما أبداً.

لا أظن أن أحداً، وبعد المرور بهذه المدة من كورونا، لم يستوعب أن النوازل والمستجدات لها أحكامها المختلفة عن الأحوال العادية، وعلى كل من لم يستوعب التغيرات التي حدثت أو التي ستحدث أن يفرق بين الكليات والجزئيات، وأن يحسن ترتيب الكليات أو المقاصد الضرورية، وأن يبذل جهده في فهم المراد من الأحكام الشرعية، وأن يتحرر من تقديس الأشخاص والنصوص البشرية، وأن يناقش غيره، وأن يسمح لغيره بأن يناقشه.

قلت ما قلت، لأن هناك من هو مستمر في التزامه بظواهر النصوص، دون بذل الجهد في فهم مراميها، فيقع في العنت ويوقع غيره فيه، مع أننا اليوم وقبل أي يوم آخر في حاجة إلى خطاب ديني مستنير يرتكز على فهم المقاصد العامة للشرع الحنيف، وهنا أذكر تلك الكلمات الرصينة التي قالها الإمام الْحَسَن البصري، رحمه الله تعالى، ونقلها عنه الإمام ابن عبدالبر المالكي، في كتابه الشهير (جامع بيان العلم وفضله) وهي: «الْعَامِلُ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ كَالسَّالِكِ عَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ، وَالْعَامِلُ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ مَا يُفْسِدُ أَكْثَرُ مِمَّا يُصْلِحُ، فَاطْلُبُوا الْعِلْمَ طَلَبًا لَا تَضُرُّوا بِالْعِبَادَةِ، وَاطْلُبُوا الْعِبَادَةَ طَلَبًا لَا تَضُرُّوا بِالْعِلْمِ؛ فَإِنَّ قَوْمًا طَلَبُوا الْعِبَادَةَ وَتَرَكُوا الْعِلْمَ حَتَّى خَرَجُوا بِأَسْيَافِهِمْ عَلَى أُمَّته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ طَلَبُوا الْعِلْمَ لَمْ يَدُلَّهُمْ عَلَى مَا فَعَلُوا»، والجزء الأخير من النص في غاية الأهمية.


أختم مقالي بالتأكيد على أننا سنحتاج كثيراً، وخاصة بعد انقضاء جائحة كورونا بحول الله تعالى، إلى مشاركات مكثفة، وكتابات معمقة عن مستجدات الفيروس المستجد، وأن يسهم من لديه علم في أي فن، بإلقاء الضوء على ما في علمه من الدقة والمرونة والسعة في التعامل مع النوازل والمستجدات، وهذا لن يتأتى دون فهم للمقاصد العامة للتشريع، حيث إنها الميزان الدقيق الذي تنضبط به أمور الخطاب الديني.