الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

العالم.. زر ضبط المصنع

يبدو أن عالمنا الحديث أُسِّس على خطأ، أو بلغة الحاسوب، وقَع خَلَلٌ في برمجته منذ البداية، أُسِّس على الحروب والقهر والأنانية، فنُهِبت شعوب وهُجِّرت أخرى، موارد الجنوب المادية سُخِّرت لإغناء الشمال، فحُرِم جزء من الأرض من العيش الكريم والتعليم والدواء والسكن، وسخِّرت القوى العاملة فيه لبناء المصانع والمزارع والجسور في جزئه الآخر، سواء في شكل استرقاق جماعي في القرون الماضية، أو شكل عَمَالة رخيصة في عصرنا الحالي.

وإذا كان الاسترقاق التقليدي قد انتهى فلا نرى اليوم أمثالاً لعبيد مثل «سولمون نورثوب» و«ويلي» و«باتسي» في حقول بايو بوف بولاية لويزيانا الأمريكية في القرن التاسع عشر، فإن العمالة الرخيصة القادمة من الجنوب إلى الشمال، حلَّت محل العبيد لإنجاز الأعمال الشاقة والخطِرة، بل القذرة، نظيرَ فُتات من الرزق، لكنَّ هؤلاء العمال الأفارقة والآسيويين راضون بحالهم التعِسة التي لا تختلف إلا قليلاً عن حال نورثوب وأقرانه العبيد، ركبوا البحار والأخطار ليصلوا إلى «الجنة» التي يحلمون بها (أوروبا)، بعد أن مات كثير منهم غرقاً في البحر، يفرُّون من موت إلى موت، لا يعنيهم سبب موتهم، إن كان الجوع أو الغرق! تعدَّدت الأسباب والموت واحد.

إذًا، فالعالَم يعيش اليوم خللاً بنيوياً، اقتصادياً وأخلاقياً وسياسياً، لا يمكن أن يستمر، خلل بدأ مع تأسيسه على رأسمالية لا تؤمن إلا بالإنتاج المادي والنمو الاقتصادي والأرباح، على حساب الإنسان وحقوقه.


لكننا، اليوم، كما يقول توماس فريي، عالِم المستقبليات والمدير التنفيذي لمؤسسة «دفنشي»، ضغطنا على زر إعادة تشغيل العالم، فوباء كوفيد-19 أعاد برمجة العالم، أنماط كثيرة من الحياة ستتغير، وستبدأ طرق تفكير جديدة مرتكزة على حياة الإنسان وصحته وغذائه، وستضطر الدولة «الليبرالية» لإعادة التدخل في الحياة الاقتصادية، مُنافِسةً القطاع الخاص، الذي سيَضمُر أو تلحقه تغييرات جوهرية بسبب الركود الاقتصادي المتوقَّع.


وكل ذلك سيُلقي بظلاله على التكتلات الاقتصادية والإقليمية وعلى مفاهيم كثيرة مثل: العولمة، والديمقراطية والحرية، والأمن القومي، وسيصعد الشرق كقوة اقتصادية أولى في العالم بقيادة الصين، نعم لن يمر ذلك بسلاسة، ولن يحدث بين عشيَّة وضحاها، فالحرب التجارية والمناورات السياسية ستستمر فترة بين قوة عظمى (أمريكا) تدافع عن موقعها، وقوة صاعدة (الصين) تنشد هذا الموقع، والدنيا لمن غلب!