الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

كتابة التاريخ.. وأجر المهمشين

كتابة التاريخ عنيت دوماً بالتاريخ السياسي وأخبار الملوك، حيث لم يحظَ فيه الإنسان العادي قط باهتمام يُذكر، ما عدا في كونه من الرعية والعامة ويمر عليه مرور الكرام بدون أن يذكر لهذه الرعية أي أثر، فالمدوّنات التاريخية في الماضي تناولت بطولات وأمجاد الملوك والحكام أو منجزات العظماء فحسب، فيما لم يحظَ المهمشون باهتمام المؤرخين إلا في النصف الثاني من القرن الـ20 مع بداية التوجه نحو تدوين «تاريخ التابع»، أي المهمشين الذين صنعوا جزءاً كبيراً من التاريخ الإنساني من وجهة نظر مؤرخي «التابع»، أما الإنسان العادي الذي يشكل الغالبية الساحقة في المجتمع فبقي مغموراً ومطموراً ومدحوراً، فيما لا تتعدى سيرة حياته في كونه يولد ليكافح من أجل البقاء.
حياتنا في الدنيا عبارة عن آمال وطموحات ورغبات وأمنيات، البعض ينجح في كسب الثروة أو الشهرة، والبعض الآخر لا ينال من دنياه إلا ضنك العيش، ولا تتحقق مطامح كثيرين من الدنيا إلا بالنذر اليسير، وتدفن معهم في التراب، أو تذهب هباء منثوراً أدراج الريح، لذلك ما هي قيمة حياة الإنسان العادي على وجه هذه الأرض؟ وهل خُلق فقط ليعيش محكوماً ومظلوماً ومقهوراً ومغموراً ومسيّراً بظروف الحياة القاسية ويقضي جل حياته بائساً وتعيساً وتنتهي قصة حياته؟ وبالمقابل هناك من يجمعون ثروات طائلة يعيشون حياة البذخ والترف ويخطفون كل الأضواء من الإعلام والأنام، فإذا كانت حياتنا ثمرة مساعينا وجهودنا. فلماذا القليل في بحبوحة العيش ورخائه، والأغلبية الساحقة تعاني الشقاء رغم السعي الحثيث لكلا الفئتين؟
أشار القرآن إلى التاريخ بأنه الذكرى وأحياناً بالأثر كقوله تعالى: «إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ» (سورة يس ـ الآية: 12)، فالتاريخ عند الله في اللوح المحفوظ لا يضيع حق أحد قدر أنملة لا فرق عنده بين أمير ومأمور أو غني وفقير، وقيمة الإنسان عنده لا تقاس بالمال والجمال والنسب والجاه بل بالعمل، وفي حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «رُبَّ أشعث أغبر مدفوعٍ بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره» (رواه مسلم)، ولا قيمة أبداً في نظره لمتاع الدنيا، فقد قال جل وعلا: «وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا، وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون» (سورة الشورى ـ الآية: 36)، إذاً ليس الفقر والحرمان أو الخمول في الدنيا شيئاً يشتكي منه المؤمن، لأن الفوز هو فوز الآخرة «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ» (سورة آل عمران ـ الآية 185).