الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

المجتمعات تحيا بالأمل الفسيح

الإنسان هو جوهر كل شيء، فالدولة في النهاية إنسان، والحضارة إنسان، والتنمية إنسان؛ فبالإنسان تكون البداية، وللإنسان تكون النتائج والنهاية، وبدون الإنسان لا يحدث في الكون شيء، حتى الإنسان الآلي هو من اختراع وصنع الإنسان، لذلك من أراد أن يحقق التنمية والنهضة والتقدم فعليه أن يبدأ بالإنسان، وأهم عنصر في تكوين الإنسان هو الدافعية التي تولد فيه الطاقة للعمل والإنتاج، والابتكار والتطوير، ولا توجد الدافعية المحفزة على العمل والكفاح وبذل كل الجهد وغاية الطاقة إلا إذا امتلأ قلب الإنسان بالأمل.

ومن هنا، فإن سر الحضارة الإنسانية هو الأمل، وصانع الحضارة الإنسانية هو الأمل، وكل الابتكارات والاختراعات التي غيرت وجه البشرية، وأحدثت في التاريخ نقلات كبرى كان دافعها الأمل، الأمل في غد أفضل، في حياة أفضل، في عمر أطول، في صحة أكثر، في سعادة أكبر.. الخ. الأمل هو مفتاح كل شيء، وانعدامه يغلق كل شيء.

منذ ألف سنة تقريباً كتب أحد كبار المفكرين السياسيين العرب كتاباً في السياسة اعتبر فيه صناعة الأمل من أهم أسس ومقومات المجتمع والدولة.. فقد كتب أبوالحسن الماوردي المتوفى 1058م كتاباً عنوانه «تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق الملك وسياسة الملك»، وضع فيه للمجتمعات الناجحة المستقرة مجموعة من الأسس التي تقوم عليها هي: «دين متبع، وسلطان قاهر، وعدل شامل، وأمن عام، وخصب دائم، وأمل فسيح»، والدين المتبع عنده يعني منظومة القيم والأخلاق، والسلطان القاهر يعني سيادة القانون على الجميع بدون استثناء، أو خروج عنه، أو تسيب في تنفيذه، والعدل الشامل يعني كل أنواع العدالة القانونية والاقتصادية والاجتماعية، والأمن العام الذي يتمتع به جميع الشعب في جميع نواحي الحياة، أمن على النفس والعرض والمال، والخصب الدائم يعني استمرار معدل التنمية المرتفع، وعدم حدوث انتكاسات اقتصادية، والأمل الفسيح هو البعد الجديد الذي لم يسبقه إليه أحد، وهنا ينبغي أن نتأمل في إضافة صفة الفسيح للأمل...يعني أملاً ممتداً بلا حدود، واسعاً براحاً، على مدى الأفق.


وصناعة الأمل تتعلق بالوعي الجمعي للمجتمع، تحفزها حقائق واقعية، وتدفع لها طموحات منطقية قابلة للتحقق، وأول وسائل صناعة الأمل وجود رؤية سياسية للدولة تحشد الشعب نحو تحقيقها فيكون فيها الأمل، وتكون هي الأمل، وبعد ذلك يأتي المناخ الثقافي العام؛ فهو الذي يصنع الأمل، من خلال تركيز الإعلام والفنون بأنواعها على قصص النجاح، وحكايات السعادة، وأغاني البهجة والبسمة الواسعة، هنا تكون صناعة حقيقية للأمل.