الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

هاجس السرعة

«بسرعة، لا تتأخر، مشغول، مستعجل..»، كلمات عادة ما نسمعها من أفراد وهم يقفون في طابور بانتظار إنهاء معاملاتهم، سواء في بنك أو دائرة حكومية أو حتى متجر لبيع البقالة، أما الذين لم يتفوهوا بها فغالباً ما تتحدث وجوههم بها دون أن تنطق، ويمكن ملاحظتها بتململهم ووقفتهم المضطربة، وهرش للرأس وبحلقة بالعين غاضبة، وبتمتمات غير منطوقة ترتعش بها الشفاه مشيرة لما يعتمر في النفوس بالانتظار، والمستعجلة في أغلبها بعد أن تطّبعت بالسرعة دون أعذار منطقية للعجلة من أمرها.

في الشارع، وحيث تقود بتأنٍ في شارع ضيق قصير ينتهي بإشارة ضوئية، يمر بجانبك مسرعاً أحدهم لتنتهي به الحال بالوقوق بجانبك بعد ثوانٍ سبقك بها بجانب الإشارة، التي ما إن يخرج ضوؤها الأخضر معلناً السماح بالقيادة حتى تتعالى أصوات بوق سيارته في أوامر غير منطوقة متبرمة مطالبة من سبقه بالتحرك، ولكن مرة أخرى صوب الإشارة المقبلة، في مشهد لا مبرر فيه للعجلة سوى اللّهم كرهه لانتظار مستحق، يدل إن تحلَّى به، على احترامه للآخرين ولنفسه قبلهم، ولقبولها بدقائق مسروقة منّا جميعاً دون استثناء، في زحمة الشوارع والمكتظة دونما حل لها طالما نعيش في المدن الكبيرة الممتلئة بالسيارات ووسائل النقل المختلفة، ليس فقط لسكانها، وإنما لمن جاورها من الضواحي والقرى ومن قدموا إليها للعمل والمتعة.

ثقافة السرعة التي كانت أولى بوادرها مع اختراع الساعات بشكلها الحديث، باتت السمة لطبائع البشر ونمط حياتهم التي لا نُعد فيها الوحيدين، فالاستثناءات وإن بدأت بالظهور مع حركات البطء في العالم، إلا أنها في بداياتها، رغم وجود بوادر إيجابية مدللة على رغبة بتخفيف حدة الإيقاع، والدعوة للاستمتاع بالوقت في جميع المناحي، من الطعام للنزهة والرياضة وحتى العمل والعلاقات الحميمة.


جميعها جرفتنا في تيارها حتى تحوَّلنا لآلات بشرية مبرمجة على أنماط سلوكية محسوبة، اتسمنا بها ونمارسها، مفتقدين لمتعة التأني والإبطاء، وعدم الخوف من انقضاء الوقت دون القيام بأعمال أخرى تداخلت مع بعضها في جدول مواعيدنا المزدحم بالضروري وغير المهم.


العشوائية على ما تبدو عليه من صفة غير حميدة، كونها ارتبطت بأذهاننا بعدم النظام، ضرورية بل مهمة لبشريتنا وإنسانيتنا المحتاجة للانعتاق مما يكبلها ويجعلها حرة بالاستمتاع باللحظة دون الخوف من هاجس انقضاء الوقت بسرعة!