الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

التَّعاطُف!

في مثل هذه الأزمنة التي يخلو فيها الإنسانُ مع نفسه في بيته لا يكاد يخرج منه إلا لتلبية هم عاجل، يجد الإنسانُ فرصةً نادرة للتأمُّل الهادئ في قضايا الكون الذي يعيش فيه، وحينئذٍ سيكتشف أو يتذكَّر أنه جزءٌ من كَون فسيح وعالَم غير متناهٍ، بل عوالم كثيرة أضخم من عالمنا الذي نعيش فيه ونزعم أننا نعرفه.

وهذا ما حدث لي، فقد عَمَّقَت الخُلوةُ إحساسي بهذا الوجود؛ لا سيما بهذه الحيوانات الأليفة والطيور التي كنا نراها يومياً دون أن يكون لذلك مغزى كبير عندنا؛ نراها بشكل عابر معتاد لا يكاد يلفت انتباهنا.

شعرتُ في هذه الفترة أني أصبحتُ أكثر تعاطُفاً مع هذه الحيوانات التي تشاركنا في هذه الحياة، بل لَعلَّها أيضاً تشاركنا في هَمِّنا وغَمِّنا في هذه الفترة العصيبة التي نمر بها.. هي جيراننا، والله ورسوله صلى الله عليه وسلم أوصيا بالجار.. إنها أُمَمٌ مثلنا لها حقوق علينا.. (وَمَا مِن دَآبَّة فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا طَٰٓئِر يَطِيرُ بِجَنَاحَيۡهِ إِلَّآ أُمَمٌ أَمۡثَالُكُمۚ).

أصبحتُ أكثر تعاطُفاً مع هؤلاء الجيران بعد تأمُّل عميق في مغزى هذه الآية الكريمة التي تُفهِمنا بشكل مباشر أننا لسنا وحدنا في هذا العالم، وتفهِمنا بشكل غير مباشر أننا ينبغي ألا نَغْترَّ بأنفسنا، فما نحن إلا جزء من عالم طبيعي فسيح وأُمَمٍ حيَّة مثلنا يرزقها ربها كما يرزقنا ويعطف عليها برحمته ولطفه كما يعطف علينا، فكلنا خَلقُه، وترشدنا الآية أيضاً إلى أنَّ علينا واجبات ومسؤوليات تجاه هذه الأمم الأخرى؛ لأن ربنا جعلنا سادةً عليها وعلى هذه الأرض الكبيرة، ومِن هذه الواجبات أن نتعاطف معها وأن نساعدها ونقدِّم لها الطعام والشراب؛ لا سيما في الأزمنة الصعبة التي يكاد البشر فيها ينسون أنفسَهم وتكاد كلُّ مرضعة تذهل عما أرضعت، ومِن هذه الواجبات (وهي حقوق لهذه الحيوانات أيضاً) ألا نعتدي عليها أو نعترض سبيلها لمنعها من رزقها.

إن تعاطفنا مع هذه الحيوانات هو جزء من تعاطفنا مع أنفسنا ومع هذه الطبيعة التي نحيا فيها؛ فهذه المكوِّنات الحية وغير الحيَّة (من مادَّة مثلاً) هي قوام حياتنا، فقد خلق الله هذا الكون بنظام وتوازن بديعين، ومن المؤكد أن هذا التوازُن الطبيعي لمصلحة الإنسان، فلنحافظ عليه.