الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

فقه الممكن.. والمتاح

الناس اليوم، وقبله وبعده، في أمسّ الحاجة لإلقاء الضوء على الوجه السمح للدين الإسلامي العظيم، وإبراز أهم مزاياه، وهو بعده عن الجمود العقلي عند تناول المسائل والأحكام الحياتية المختلفة.

كل أو جل المجتمعات تعاني من المصابين بالجمود العقلي، أولئك الذين لا يستطيعون التفريق بين الكليات والجزئيات، ولا يحسنون ترتيب المقاصد الضرورية أو الكليات، ولا يعرفون مراد الشرع منها ولا من معاملاتهم ولا حتى من عباداتهم، بل حبسوا أنفسهم داخل بطون الكتب، أو ما أخذوه على يد من لم ينر الله بصائرهم، والأدهى والأَمرّ أنهم وفي غفلة منهم سلّموا لهم ولاءاتهم وعقولهم وعواطفهم، ولم ينتج عنهم إلا إيقاع غيرهم في العنت والمشقة، والحيرة في أمور مستجداتهم العصرية.

ومن أجل تجاوز أزمة التعامل مع أهل الجمود الفكري، لا بد من إعمال العقل في فهم النصوص الدينية، وفهم العلاقة بين الإيمان والعلم، وفهم العلاقة بين القواعد الفقهية والأصولية، وإعمال العقل في فهم النصوص وحسن قراءة الحياة، وتنزيل حكم النص على الواقع، والانتباه التام إلى خطورة الجهل والجمود وعدم فهم المقاصد والأسرار والحكم، وعدم استيعاب فقه الموازنات وكيفية ترتيب الأولويات.


البعض بالكاد استوعب أو يستوعب موضوع الحجر الصحي ومسألة العزل المنزلي، وحكاية أداء العبادات والشعائر في زمن النوازل والجوائح، وتظهر عنده هذه المسائل وكأنها من العظائم التي لا يمكن أن يجدوا لها حلاً، مع أنها يسيرة على من وهبه الله سبحانه وتعالى فكراً مستنيراً، يستطيع به أن يعرف قيمة فقه (الممكن والمتاح).


ومن أشهر الشواهد على الفقه السالف الذكر هو قوله، صلى الله عليه وسلم، للسيدة عائشة، رضي الله عنها، كما في (الصحيحين): «لولا أن قومك حديثو عهد بإسلام، لهدمت الكعبة، ولبنيتها على قواعد إبراهيم»، مبيناً، عليه الصلاة والسلام، أن بناء الكعبة غير سَليم، والأولى هدمها وإعادة بنائها، لكنه ترك ذلك خشية التشويش على الناس، وفهم ذلك الإمام البخاري، فجعل الحديث شاهداً على باب سماه «باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقْصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه»، ويعني هذا أن «العمل بالمرجوح مع العلم بالراجح جائز إذا كانت فيه مصلحة».