الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

«كينونة الحيوانات» في مسرح الشارع

منذ أن عرفت البشرية كتاب (تاريخ الحيوانات) لأرسطو تلميذ أفلاطون، وكتب الدميري في تاريخ العربية كتاب (حياة الحيوان الكبرى) في القرن الـ14 الميلادي، وكتب الجاحظ (الحيوان) في القرن الـ19 الميلادي، انشغل العالم العربي بالحيوان بوصفه كائناً يعيش مع الإنسان بكل طبيعياته وغرائبه، سواء أكان متصالحاً معه، رفيقاً له أو كان عدوّاً شرساً، أو حتى كائناً مخيالياً.

إن الحيوان في حياة الإنسان الثقافية ليس محايداً بل هو رمز له قدرته التي وظفها الأدب الشعبي منذ القدم في محكياته؛ حيث نقرأ ذلك في (عجائب المخلوقات) للقزويني، و(نخبة الدهر في عجائب البر والبحر) للدمشقي، و( كليلة ودمنة) لابن المقفع، وغيرها من تلك السرديات التي جعلت من الحيوان رمزاً للخير أو الشر.

والأمر نفسه نجده أيضاً في الأنواع الأدبية الحديثة كالرواية والقصص القصيرة، ولعل أفلام ديزني الشهيرة وظفت رمزية الحيوان توظيفاً بصرياً وسردياً بالغ الأهمية من الناحية الثقافية، وهذا التوظيف يقترن بتلك التطورات الفنية والخطاب الثقافي، الذي ينشأ ضمن المعطيات الاجتماعية والسياسية للمجتمعات.


ولهذا فإن المتأمل في أحد جوانب أزمة فيروس كورونا، سيجد أنه في ظل انعزال الناس جميعاً وانكفائهم في منازلهم، ظهرت عناوين صحفية طريفة تبحث بطريقة ما عن العلاقة الثقافية التي تربط الإنسان بالحيوان ضمن (كركتر) رمزي غير مألوف؛ حيث نقرأ مثلا (في زمن الحجر أسود البحر تتجول مطمئنة بشوارع الأرجنتين)، و(الحيوانات فى زمن كورونا: أخيراً رحل البشر)، و(فيروس كورونا: حيوانات برية تتجول في شوارع مدن مغلقة)، و(الحيوانات تستغل كورونا وتغزو الشوارع والساحات) وغيرها.


وفي مقابل تلك الأخبار يبدع رسامو الكاركتير في تشكيل لوحات فنية لحيوانات يدور بينها حوار بشأن اختفاء الناس فجأة من المدن والطرقات، في محاولة فهم ما يحدث للبشرية.

إن هذا الخطاب الطريف الذي تقدمه الوسائل الإعلامية والثقافية المختلفة يحمل رمزية تلك العلاقة بأشكالها المتعددة.. إنه خطاب ثقافي قد يكون تخييلياً في ظروف مختلفة مع واقعيته التي نراها اليوم، إلا أنه يحيل إلى كينونات درامية تذكرنا بكليلة ودمنة وقدرتها على الإبداع بحُرية، حيث هجرت الغابات والحدائق إلى طرقات المدن الكبرى وشوارعها، تتجول آمنة، مستكشفة، في لوحات تبدو فنية أكثر منها واقعية.

الأمر الذي قد ينتج كيانات فنية وثقافية قادرة على الاستفادة من هذا الخطاب، وتقديمه بأشكال أدبية متعددة، لأنه خطاب يقدم نمطاً جديداً من مسرح الشارع في لوحات رمزية إبداعية.