الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

المغفرة غير الرحمة

البخل درجات ومراتب وأنواع، وبعضه أفحش من بعض، ومنه أن يبخل الإنسان بالدعاء بالمغفرة لأخيه الإنسان، بحجة الاختلاف معه في الدين؛ وهذا أمر غريب بل ومستهجن.

وغاية ما يمكن أن يقوله الحكيم من الناس، هو أن استغفار الإنسان المسلم للإنسان الآخر الذي يحيا معه فوق هذه البسيطة أمر لا بأس به، وخاصة أن القصد المتصور هو أن يوفق الله عبده للإيمان الذي هو سبب المغفرة.

لكن يستدل المعترضون بقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾( سورة التوبة ـ الآية:113) وبعض الآيات المشابهة لها، وعنها تحديداً يقول الإمام الطبري:[وقد تأوَّل قومٌ قولَ الله: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى﴾ الآية، أن النهي من الله، عز وجل، عن الاستغفار للمشركين بعد مماتهم، لقوله سبحانه: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾. وقالوا: ذلك لا يتبينه أحدٌ إلا بأن يموت على كفره، وأما وهو حيٌّ فلا سبيل إلى علم ذلك، فللمؤمنين أن يستغفروا لهم]، وغيره من العلماء، رحمهم الله جميعاً، نقل عنهم أنه لا بأس أن يدعو الرجل للمختلف معه في الدين، ما دام حيّاً، وأن ذلك بمثابة طلب من الله لتوفيقهم للإِيمان.


مما يدل على جواز الاستغفار للمشرك مادام حيّاً، ما رواه الإمام البخاري في «صحيحه» عن سيدنا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ»، ويشرح الحديث الإمام العيني في كتابه «عمدة القاري»، ويقول: «معناه: اهدهم إلى الإسلام الذي تصح معه المغفرة، لأن ذنب الكفر لا يغفر»، وروي أيضاً أنه صلوات ربي وسلامه عليه قال: «إنَّ اللهَ لم يَبعثْني طَعَّانًا ولا لَعَّانًا ولكنْ بعثني داعيةً ورحمةً اللهمَّ اغفرْ لقومي فإنَّهم لا يعلمون».


النقطة الأخرى التي تثار هي الدعاء لمن مات على غير دين الإسلام؛ وهذه لا يمكن أن تفهم إلا لو فرقنا بين الدعاء بالرحمة، والدعاء بالمغفرة، ومعلوم أن الآيات التي نهت عن الاستغفار للمشركين، لم تأتِ بالنهي عن الترحم، والقرآن كما يقول العلماء ألفاظه مقصودة لذاتها.