الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

عصر «كورونا يعيش معنا»

تعمل حكومات وشعوب العالم بجد على العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية، والتَّخلِّي عن إجراءات الإغلاق التي فرضها الانتشار السريع والمخيف لجائحة «كوفيد-19»، إلا أن الحياة الطبيعية الجديدة لا يبدو أنها ستكون شبيهة بتلك التي كنا نعيشها من قبل، ويمكن القول: إن عصر ما بعد كورونا، الخالي تماماً من إجراءات الوقاية والحجر الصحي، ليس من المتوقع أن يحلّ في وقت قريب.

ومن الأرجح أننا سنعيش مع «عصر كورونا» خلال المستقبل المنظور أو القريب على أقل تقدير، وحيث سيكون فيروس «كوفيد-19» قريباً منا ويعيش بين ظهرانينا، ويمكنه أن يستعيد نشاطه الخطير وقدرته على الانتشار السريع بسهولة، وسوف تكون حياتنا معرضة للإغلاق الجديد والمفاجئ، وهو ما يمكن أن تفرضه الأعداد المتزايدة من المصابين بالعدوى من أبناء المجتمع.. لكن ما الذي تعلمناه من تجربة الأشهر الثلاثة الماضية؟

لا شك أن عبارة «Memento mori» اللاتينية التي تعني «تذكر الموت» أو «تذكر أنك ستموت»، هي التي كان يتردد صداها في أسماعنا وآذاننا عندما كان عدد الإصابات بالعدوى يتزايد وفق دالّة أسية عبر العالم، مع الافتقار التام إلى أي وسيلة لوقفها أو الحد منها.


وكان لنا أن نتذكر أن حياتنا المريحة كانت تلامس وتجاور الأسباب المجهولة والمتعددة لمسببات ودواعي الموت والسقوط في الهاوية، والحقيقة الأساسية الأخرى التي نسيناها منذ زمن بعيد، ثم راودتنا من جديد هذه الأيام، هي أننا ما زلنا مرتبطين بأماكننا والتي عادة ما تكون أماكن المنشأ.


وأنا معجب بالعبارة العربية «مسقط رأسك» وهي ذات معنى واضح يشير إلى المكان الذي سقط فيه رأس الإنسان المعني أو الذي وُلد فيه، وهو يعبّر بوضوح عن شدة ارتباطنا بمكان ولادتنا.

وكثيراً ما كنا نستمتع بحرية السفر والتنقل، حتى قيل إن العقد الماضي هو عصر السفر والتنقل بامتياز خلال تاريخ الجنس البشري، ومع توافر المزيد من الناقلين الجويين بالأسعار المنخفضة وسرعة استخراج بطاقات السفر الإلكترونية خلال أكثر من عقدين ماضيين، كان عدد المسافرين عابري الحدود يزداد بسرعة، بل إن نمو قطاع السفر تميَّز بنمو متسارع لا سابق له حتى اللحظة الأخيرة عندما ظهرت جائحة «كورونا»، ومثَّلت صدمة حقيقية أدت إلى توقف قطاع الطيران والتنقل البشري تماماً.

ومنذ الإغلاق، أصبحنا نعيش حياة محصورة لا تسمح بكثير من الحركة، وعلينا الآن أن نعتاد عليها بالتدريج وليس لنا ثمة خيار آخر، ومع اضطرارنا المتزايد للعيش في بلد منشأ كل منا، وفي المدينة التي ولد فيها، وفي البيت وحتى الغرفة التي اعتاد العيش فيها، فلقد بدأنا نستعيد الإحساس بأهمية المكان الذي نرتبط به.

وهذا يعني أن تذكّر الأماكن المرتبطة بنشأتنا هو أحد الدروس التي علّمنا إياها فيروس «كوفيد-19»، وسوف نبقى في مواجهة هذه الحقيقة المهمة، التي تتعلق بحياتنا خلال كل الأيام المتبقية من عصر «كورونا يعيش معنا».