الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

وحي الحكايات الشعبية الموريتانية

الحكايات والأساطير نوع من السرد الشعبي مجهول المصدر؛ لأنه إبداع جماعي لا فردي، وعلى النقيض مما يتصوَّر بعضنا، فإن هذا النوع من القصص أدبٌ راقٍ وذو قيمة جمالية عالية وفوائد جَمة، فالحكايات والأساطير مدوَّنة للسلوك والقيَم، وخزَّان لِحِكمِ وتجارب المجتمعات ونظرتها للكون.

وينقسم السرد الشعبي إلى 3 أقسام: الحكايات، والخرافات، والأساطير، وقد يُمَيَّز بينها بطبيعة أبطالها، فشخوص الحكاية الشعبية عاديون في نظر المجتمع؛ لأنهم يعيشون معه؛ سواء كانوا حيوانات أو بشراً أو شخوصاً مجرَّدة، كـ«الصبر» و«العافية» مثلاً، اللذين احْتكَمَا إلى حَكَم لمعرفة أيهما أفضل في حكاية شعبية موريتانية؛ فحكَم الحكَم للصبر لأنه لولاه لما قامت عافية أو سلام، وذلك رغم الحُجة القوية التي قدّمتها العافية (السلام).

أما شخوص الأساطير فتنتمي إلى العالم العلوي مثل الآلهة وأنصافها، وفْق التصنيف الأكاديمي القائم على الأساطير الإغريقية القديمة، وتنتمي شخوص الخرافة إلى العالم السفلي أو عالم الشر كالجِن والسحَرَة والأغوال، فهؤلاء الشخوص لا يُنظر إليهم على أنهم عاديون؛ بل العكس، فهم لا يخضعون لنظام الطبيعة، فالأغوال والجِن والسحَرة يتَمثَّلون أو يتَشكَّلون في أي هيئة أو شكل عندما يرومون إلحاق الأذى بالبشر.


والحكايات والأساطير الشعبية الموريتانية غنية بالخيال والحِكم، وهي تحقق حواراً بين ماضي المجتمع وحاضره من جهة، وتطلُّعاً واعياً لبناء المسقبل من جهة أخرى، وبنظرة إلى هذا النوع من السرد الشعبي في موريتانيا، نلحظ أن العقل الجمعي لدى الإنسان الموريتاني مُسالِم بطبعه، ويتجلى ذلك في حرْص الراوي ـ في أحيان كثيرة ـ على أن تنتهي الحكاية بسلام أو توازن، وحرصِه أيضاً على تجسيد الوحدة والانسجام بين مُكوّنات البيئة من إنسان وحيوان وأرض؛ رغم قساوة البيئة الصحراوية.


إن الحيوانات في الحكاية الشعبية الموريتانية ليست حيواناتِ غابةٍ، وإنما هي مجتمعٌ منظَّم له قاضٍ يحكم بينه، وفوق ذلك، لا يستطيع حيوانٌ أن يعتدي على آخر إلا بحجَّة سائغة، ففي حكاية «الدب والبقرة وحكم الذئب»، مثلاً، نرى أن حُكْم القاضي كان عادلاً على نحو ما؛ لأنه أعاد الحال إلى ما كانت عليه قبل النزاع، وهي إعادة الدُّب إلى قعر البئر؛ لأنه خدَع البقرة التي أخرجته منها بعد أن وَعَدَها ألا يَمَسَّها بسوء، لكنه نكث وعده، فحكَم القاضي «الذئب» بإرجاعه إلى قعر البئر.