الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

استنبات حياة

ماذا لو كان قدرك أن تعيش بين حالتين، تكاد أن تلتصقا بك، كائن سوداوي لا يعرف الاستمتاع بالحياة، وكائن آخر أشبه بالمريض النفسي، لا يهنأ إلا بمصادرتها منك بينما هو يعيشها بلا قيود.. وبمقاييسه؟.. استحوذت على ذهني عبارة لافتة ومؤلمة في آنٍ واحد، للشاعر والروائي الأمريكي «تشارلز يوكوفسكي»، وهي: «كم هي هائلة وعظيمة الشجاعة التي يتطلبها النهوض من السرير كل صباح لمواجهة الأشياء نفسها مراراً وتكراراً»!.. فكيف بنا إن كانت تلك «الأشياء» إحدى الحالتين السابقتين؟ إن العيش مع أو إحدى الحالتين قد يجعل «فعل الحياة» أو ممارسة الحياة بصورة طبيعية أو شبه طبيعية أمراً في غاية الصعوبة، إذ تصبح محاولات عدم الاصطدام بها وبشكل يومي عبئاً نفسياً لا يمكن الصمود أمامه طويلاً، فأن تمارس حياتك الطبيعية بدون أن تصادر أو تتعدى على حياة الآخرين هو حق مشروع لا يتطلب الاستئذان أو التبرير أو عبء انتزاعه من ربقة هذين النموذجين! المؤسف أنه لا يستطيع الكل «خلق فضاءاتهم» الخاصة بموازاة معاناة شبه يومية كهذه، ما لم يكونوا على درجة عالية من الوعي والقوة في حماية ذاتهم من التلاشي أو الاستسلام.

إذا ما تجاهلنا النموذج الثاني، وقمنا بتحجيمه تماماً باعتباره مرضاً نفسياً، فستبقى الحالة الأولى، الغارقة في سلبيتها، وانغلاقها، وسوداويتها، وبقليل من الصبر والذكاء والكثير من الحب والاحتواء، نجذبها لمساحاتنا المنفتحة من خلال ممارستنا الطبيعية لفعل الحياة اليومي، بدون مبالغة في استعراض مشهديَّة حب الحياة أمامها أو فرضه عليها، فالأمر سيغدو أشبه ما يكون بعملية «استنبات براعم» الحياة في أرض قاحلة!