الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

رسائل مشفرة.. تعرف صاحبها

منذ مدة، تستوقفني بعض المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة، التي تحمل بعداً شخصياً، وبعيداً عن بعض المدونّين، أو مستخدمي المنصات التواصلية، الذين جعلوا حياتهم شاشة حية ومفتوحة للجميع، فإن منشورات بعض المتحفظين أو المتزنين في استخدام تلك المنصات تشي ببوح عام، أو توجه خطاباً خاصاً لأحدهم! ولا يمكن فهم تلك المنشورات إلا على هذا النحو.

يفاجئك أحدهم برفع صورته على حسابه الشخصي بين شراشف سرير المستشفى وفي يده الأنبوب المغذي، كي تعرف أنه مريض، أو يصور سيارته في حالة متهشمة ويخبرنا بأنه نجا من حادث مروري كاد يودي بحياته!

أحياناً يسهب أحدهم في استحضار أدعية بالفرج من القرآن الكريم أو الحديث النبوي، فنعرف أنه في ضائقة، أو يكتب على صفحته «الحمد لله»، أو الآية الأولى من سورة النصر: «إذا جاء نصر الله والفتح» لنعرف أنها فرجت.


هؤلاء الأشخاص لا يريدون أن يحكوا لنا ماذا حدث لهم بالضبط، كيف بدأ الموضوع وكيف انتهى، إنهم فقط يريدون شركاء معنويين، وتعاطفاً عاماً صادقاً من بعيد بدون أن يخترق أحدهم الخصوصيات أو يخوض في التفاصيل.


وفي مسلك آخر، نجد البعض يكتب في صفحته عبارات من تأليفه أو مقتبسة من أقوال مأثورة يوجهها لطرف يعرف نفسه، وربما وصلته الرسالة، ويكون فحوى العبارات إما العتب، أو الحزن، أو التعبير عن الأسف، أو عدم الأسف، أو أي معنى يريد إبلاغه لأحدهم الذي يتعذر أن يتلقى الرسالة بشكل مباشر، لسبب يخص الطرفين.

وأحياناً تأخذ الرسالة الموجهة شكل مقطع من أغنية، أو فيلم أو قصيدة، أو مَثَل سائر، وهنا ستجد نفسك متفرجاً على علاقات مفككة، وقصص غير مكتملة، ولكنك شريك شبه نصير للطرف الذي تعرفه وتطلع على صفحته.

نحن البشر، مهما كنا كتومين، ومؤمنين بالخصوصية، فإننا نحب التعبير عن ذواتنا والبوح بما في خواطرنا، نريد أن تصل رسائلنا للطرف الذي نقصده كاملة وواضحة ومحتشدة بالأمثال والعبارات المتقنة.

ونحن البشر نريد أن نحظى بالتعاطف والتأييد، وأن يعرف الآخرون عن أحوالنا حتى لو لم يعرفونا، ولم يعرفوا حقيقة ما يحدث لنا.

وإن وسائل التواصل قد خففت كثيراً من الكبت في مجتمعاتنا، وغدت على الصعيد الإنساني النفسي، متنفساً يخفف فيه البعض شحنات الغضب والألم والحزن والقطيعة، وموقعاً يتلقى فيه التهاني أو المواساة أو التشجيع.

إنها عوالم تقول لك: لست وحدك، ولست بحاجة لأن تقول أكثر، فنحن نفهمك ونؤيدك أو نخالفك، لكننا سنشاركك.