الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الحج الرمزي.. والنظرة الفقهية

ليس من الفقه التشدد والتزمت، وليس منه التسيب والتهاون، والفقيه الحق هو الذي يفهم ما حل بالناس ويتحقق ويعرف الواجب عليه بعد فهم ما طرأ على الناس وفهم واقعهم، ويجسد ذلك نصيحة سيدنا عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري، رضي الله عنهما، في كتاب أرسله إليه، جاء فيه: «أمَّا بعد؛ فإنَّ القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أُدلي إليك، ثم الفهم الفهم فيما أُدلي إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة، ثم قايس الأمور عند ذلك، واعرض الأمثال، ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحقِّ».
إن فهم الواقع والفقه فيه، وفهم الواجب تجاه ذلك الواقع، والاستعانة بأهل الخبرة والاختصاص أمور لازمة من أجل وقف الاجتهادات والتأويلات الخاطئة، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة درء المفاسد عن الناس، وتقديم الصالح لهم، وهو ما اختصره لنا سلطان العلماء العز بن عبدالسلام، في كتابه (قواعد الأحكام في مصالح الأنام) (1/ 93)، بقوله: «إذا اجتمعت مصالح ومفاسد، فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا ذلك امتثالاً لأمر الله تعالى فيهما لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم).. (سورة التغابن من الآية 16)، وإن تعذر الدرء والتحصيل، فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة قال تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما، إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما).. (سورة البقرة ـ من الآية 219) حرمهما لأن مفسدتهما أكبر من منفعتهما، أما منفعة الخمر فبالتجارة ونحوها وأما منفعة الميسر فيما يأخذه المقامر من المقمور، وأما مفسدة الخمر فبإزالتها العقول، وما تحدثه من العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وأما مفسدة القمار فبإيقاع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله، وهذه مفاسد عظيمة لا نسبة إلى المنافع المذكورة إليها، وإن كانت المصلحة أعظم من المفسدة حصلنا المصلحة مع التزام المفسدة، وإن استوت المصالح والمفاسد فقد يتخير بينهما وقد يتوقف فيهما، وقد يقع الاختلاف في تفاوت المفاسد».
أختم بأن إقامة الحج الرمزي، الذي أقرته حكومة المملكة العربية السعودية، خوفاً من تفشي العدوى بكورونا، يدل بدون أدنى شك على نظرة فقهية واعية، فسبحان الموفق، جل في علاه.