الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

سباق السرعة.. والبطء

ليس كل فكر سريع حميداً وإيجابياً، والمثل كمحصلة ينطبق على من يعتنقه، أي المفكر السريع، والذي لا يعني بالضرورة كما سيتبادر لأذهانكم الأشخاص ذوي الفطنة والمقدرة على استحضار الحلول والأجوبة، فالمعني هنا ثقافة العجلة والسرعة التي ألغت الرويَّة والتمهل من حياتنا وجعلتنا دوماً في عجلة من أمرنا، فنحن مشغولون ولا وقت لدينا، ونتذرع بضيق الوقت وقصره رغم أننا نقضي في غير المفيد ساعات طوال، ومع ذلك عادة ما نشير للساعة كعذر نسوقه دوماً للتدليل على تقصيرنا واستعجالنا غير المبرر في كثير منه وإن كان بعضه حقاً.

غير أن الطابع العام بات عصر السرعة لنا في كل شيء، فحين نتحدث ستلاحظون سيلاً من الكلمات دون منصت، أما في العمل فستجدون الوتيرة المتسارعة، الصفة التي يروج لها المديرون التنفيذيون في تنظيرهم وخبراء التنمية البشرية، حاضين الموظفين على الإبداع الخلاق، ونبذ الخمول العملي الذي يرونه في الإحجام عن القبول بالمزيد من المسؤوليات دون الأخذ بالاعتبار الصحة الجسدية والنفسية، ومآلات عبادة العمل على الحياة الشخصية.

«كلاوس شواب» مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي ورد عنه قوله: «إننا ننتقل من عالم يأكل فيه الكبير الصغير إلى عالم يأكل فيه السريع البطيء»، فلم تعد القوة والجبروت صفة الغالب، بل باتت السرعة معياراً للتقدم والإنجاز، دون الأخذ بالاعتبار المجمل وليس المحصلة الآنية فقط، التي في باطنها مفيدة لقلة على حساب الأغلبية الضائعة في رتم الحياة السريع من بداية يوم أفرادها، حيث استيقاظهم في ساعة محددة للذهاب إلى العمل وإيصال الأبناء إلى المدرسة، ومن ثم الانصراف بسرعة عند نهايته والعودة إلى المنزل لتناول وجبة الغداء وقيلولة، يليها التسوق مساء، ومن ثم العودة بسرعة إلى المنزل لتناول العشاء ومشاهدة فيلم أو زيارة أصدقاء.


علينا القول إذن: «لا تكتف بالفعل، اجلس» ، فالاسترخاء والتأمل وأحياناً في الفراغ أو في سقف الغرفة ـ كما دأب ألبرت أينشتاين ـ فعله مفيد جداً للعقل ومحفز للإنتاجية وصاقل للذكاء، فليس الانشغال والسرعة دلائل النجاح والتفوق والإنجاز، بل العكس، فربما البطء والخمول الخلاَّق هما لبنتا البناء والتطور وفوق ذلك كله الاستمتاع بالحياة واللحظة والأجواء والبيئة المحيطة، وحتى الطعام الذي بتنا نمارسه كعادة بدلاً من أن يكون متعة وعافية.