الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

نهم المعرفة

قيل في الأثر: «منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب مال»، وأجدني متفقاً مع هذا القول، فالقارئ لسيَر العلماء والأدباء سيجد من الأمثلة ما هو غير قابل للتصديق من نهمهم وتعطشهم في طلب العلم والمعرفة.

أحد من عُرف عنهم ولعهم بالقراءة هو الفيلسوف الهولندي «باروخ سبينوزا»، الذي أدى به سعيه وشغفه في طلب العلم والمعرفة لترك تجارة والده، وتنازله عن ميراثه لشقيقتيه.

هذه الخصلة الجميلة والعظيمة في طلب العلم والمعرفة، متى ما ترسّخت في قلب وعقل الإنسان، فإن مردودها الإيجابي لن يعود فقط على الإنسان نفسه، بل يتعداه إلى المجتمع بأسره وهذا هو الأهم، فالإنسان واسع العلم والمعرفة هو بمثابة القبس الذي يهتدي به المجتمع ويُنير دروب السالكين فيه.


الإنسان صاحب الأخلاق والمعرفة لا شك أنه يمثّل رافداً عظيماً للنهوض بمجتمعه ومحيطه الذي يعيش فيه، لكن يبقى الخوف والخطورة أن يكون هذا النهم في جانب واحد فقط دون غيره من مجالات المعرفة الأخرى، ما قد تترتب عليه نتائج غير محمودة لأنها قد تنتهي به للتعصب لمعرفته، وتكون النتيجة الحتمية هي التطرّف، وما تعصّب وتطرّف التيارات الدينية عنّا ببعيد، فهي لا ترى الصحيح إلا فيما يقوله شيوخها وعلماؤها، ولا تأخذ الآراء الأخرى المختلفة بالاعتبار، بل يصل بها الأمر إلى تسفيه وتفسيق من يرى بغير قولها.


ليبقى التحدي الأكبر الذي سيواجه صاحب المعرفة هو أفكاره وأطروحاته الجديدة التي قد تتعارض مع العقل الجمعي لمحيطه، ما قد يجعله في مرمى سهام الحرس القديم صاحب النظرة الواحدة الضيقة.