الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

الميتافيزيقي.. والسفسطائي

في حوارات بعض مُدّعي الثقافة أو التحضر، نسمع كثيراً كلمة ميتافيزيقي أو سفسطائي، وقد يستهجن البعض هذه الكلمات، وهناك من يأخذها من باب الدعابة والضحك، وقد عملت مع المخرج محمد طعمة في برنامج «شدو الحروف» الذي كان من إنتاج تلفزيون الشارقة، وكان إذا أراد أن يحفزني على تقديم أداء مميز، قال لي: «أريدك أن تقدم لنا أداء ميتافيزيقياً»، وكان الجميع يبتهجون من هذه الكلمة، وأعتقد أن كثيراً ممن كانوا معنا لا يعرفون معناها.

الميتافيزيقا تفسرها المعاجم بالتالي: (هي الماورائيات أو ما وراء الطبيعة، وهو فرع من فروع الفلسفة الذي يدرس جوهر الأشياء، يشمل ذلك أسئلة الوجود والصيرورة والكينونة والواقع، وتشير كلمة الطبيعة هنا إلى طبيعة الأشياء مثل سببها والغرض منها، بعد ذلك تدرس ما وراء الطبيعة أسئلة عن الأشياء بالإضافة إلى طبيعتها، خاصة جوهر الأشياء وجودة كينونتها).

كان ذلك تعريفاً علمياً دقيقاً يوضح لنا المعنى المنشود من الميتافيزيقا، وهو معنى قد يكون غائباً عن أذهان كثير من الناس الذين يستخدمون ذلك المصطلح.


أما الكلمة الثانية الذي وردت في العنوان فهي (سفسطائي)، وهي دائماً تقال لمن تتسم أحاديثهم بالتلوّن وغياب المعنى، أو أولئك الذين يدورون حول معنى غائب فلا تستطيع أن تفهم منهم أي شيء.


وقد ظهرت السفسطة ـ عام 490 قبل الميلاد تقريباً ـ حين كانت الفلسفة اليونانية في عز ازدهارها، وتعني حب الجدل أو الجدل لمجرد الجدل وليس للاقتناع بفكرة أو مبدأ بل رغبة في التضليل فقط، والسفسطائي هو الشخص الذي يجادل ويضلل كل شيء وكل حقيقة، وقد كان مصطلح سفسطائي يستخدم في بداية الأمر للدلالة على صاحب مهنة الكلام، ولم يكن يستخدم بمفهومه الحالي المنتقص، والذي أضحى شائعاً هذه الأيام.

لكن من المهم التفريق بين السفسطة وبين المغالطة، فالمغالطة لا إرادية بينما السفسطة تستبطن رغبة حقيقية في التضليل.

والشاهد أننا هذه الأيام، نشاهد كثيراً من الناس يمارسون السفسطة مع سبق الإصرار والترصد، منهم المثقفون ومنهم السياسيون ومنهم الأفراد العاديون، فقد أصبحت السفسطائية وسيلة هجومية للسيطرة على بعض المواقف.