الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

كلام عن التاريخ

الحديث عن التاريخ عدا عن كونه ذا شجون، هو أيضاً ذو سجون، والمقصد بالسجن هنا ليس الحبس القانوني المتعارف عليه، وإنما سجن العقل بين جدران غرفة تمثل أفكاراً بين هذا وذاك رغم اختلافها، لكن لا يجوز الخروج عليها والتحدث بغيرها!

لتفسير كيف انتقل التاريخ لِكُتّابه لا بد من الإشارة إلى أنّ مصادره، وخصوصاً ًالقديم منها، كان عبر الاكتشافات الأثرية التي استنبط منها علماء الآثار أحوال وعلوم الشعوب السابقة، فيما تعد الكتب المقدسة من أهم مصادره، فالتوراة مثلاً ولفترة طويلة، شكَّلت لباحثي الأنثرولوجيا والإثنولوجيا والميثولوجيا دلالات استُنبط منها أحداث وقصص، مثَّلت أدلة على سردهم التاريخي، لكنها بدأت تفقد بريقها مع التقدم التكنولوجيا العلمي والأبحاث المستقلة الرصينة والمزيد من الاكتشافات الأثرية، التي أسهم اكتشاف العالم الأمريكي ويلارد ليبي فرانك لمادة نظير الكربون 14 المشع المستخدم في قياس عمر الحفريات بنقض العديد من النظريات عن عمر دول وحضارات قيل إنها في فترةٍ معينه ليتضح بعد ذلك خطؤها، ما أسهم في ظهور أبحاث جديدة كسرت «تابوهات» وفتحت باباً للنقاش بين تيار يرفض نظرية المسلَّمات وآخر يدعو لإعادة كتابة التاريخ، وحتى تنحية المصادر القديمة ليصل إلى إعادة تنقيح التوراة والإنجيل وإعادة كتابتهما، وهو الذي جرى عدة مرات على أيدي علماء اللاهوت واللغات وحتى الإنسان.

في العالم العربي يصعب جداً وأحياناً يستحيل إعادة مناقشة مواضيع بالتاريخ العربي والإسلامي على وجه الخصوص، لأسباب تُدعى «دينية» وأخرى سياسية واجتماعية فرضت حظراً على دعاة التجديد التاريخي، فنال من حاول تهم عديدة وحظر رسمي وأكاديمي، تطور في حالاتٍ منه للسجن، ما حدا البعض للعيش في المنفى دفاعاً عن أطروحاتهم ونظرياتهم التي خالفت «ما جرت عليه العادة»، فيما آخرون يجنحون في حجتهم لمقولة: «إن التاريخ يكتبه المنتصرون»، وهو الذي يتماشى أيضاً مع فكرة أن الهوائية سيطرت على كتابات تاريخية نتيجة تدخل السلطات الرسمية ومثقفين وتاريخيين محسوبين عليها.


بعيداً عن جميع الآراء السابقة، يبقى لنا أن نؤكد على ضرورة استحداث مراكز أبحاث ودراسات تاريخية رصينة ومحايدة يقوم عليها خيرة العلماء من جميع الجنسيات، ويُناط بها المسؤولية حرصاً على الموضوعية والمصداقية والدقة.