الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

أسد ضارٍ.. وليس كلباً فقط

لا يمكن أن تصدر الفتوى وفيها مخالفة للآيات الصريحة، والأحاديث الصحيحة؛ بدعوى الاجتهاد أو التجديد، وستكون شاذّة مردودة وغير مقبولة، كقول البعض بجواز زواج المسلمة بغير المسلم، والحق سبحانه وتعالى يقول في محكم تبيانه: ﴿...وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُومِنُوا وَلَعَبْدٌ مُومِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَو اَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِه..)، سورة البقرة ـ الآية 221، ومثله إنكار المعجزات النبوية، والأحاديث في إثباتها متواترة قطعية الثبوت. كذلك لا يمكن أن تصدر الفتوى مخالفة لمقاصد الشريعة، ذلك أن الاهتداء بها أساسٌ لمن يريد تنزيل الحكم الشرعي على الواقع، وفي ذلك يقول الإمام فخر الدين الرازي في الجزء السادس من كتابه (المحصول في أصول الفقه): «المقصود من الشرائع رعاية المصالح»، ويقول الإمام الشاطبي المالكي، في الجزء الثاني من كتاب (الموافقات): «إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معاً»، ومن ذلك إجازة إخراج زكاة الفطر نقداً، والتوقف عن قول إن من أخرجها نقوداً زكاته باطلة، ومن فعل ذلك عليه إخراجها ثانية، ولا سيما أنه قد صح إخراجها نقداً عن بعض كبار التابعين، كالخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز. من أهم ما يتعلق بالفتاوى كذلك ألا تصدر إلا بعد وقوعها فعلاً، وهو ما ثبت فعله عن الإمام مالك، رحمه الله، فقد كان إذا سُئل عن مسألة يقول للسائل: أوقعت؟ فيقول له: لا! فيقول: «أنظرني حتى تقع»! ذلك أن الوقوف على الواقع، يعطي التصور السليم والصحيح للأمور، ويعطي الفرصة للمفتي في أن يتحرر من المسطور في كتب الفقه من قرون طويلة، وخاصة أن واقع اليوم ليس كواقع الأمس، والتغير صار جذريّاً في كل شيء، وعن هذه المسألة تحديداً، يقول الإمام القرافي، في كتابه الرائع (الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام): «إن استمرار الأحكام التي مدركُها العوائد مع تغير تلك العوائد: خلافُ الإجماع، وجهالةٌ في الدين». أختم بما روي عن مالك الصغير، الإمام ابن أبي زيد القيرواني، الذي اتخذ كَلْباً فِي دَارِهِ لخوفه على نفسه، فقالوا له: إن (مالكاً) يكره اتخاذ الكلاب، فَقَالَ لَوْ أَدْرَكَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ زَمَنَنَا لَاتَّخَذَ أَسَداً ضَارِياً.