الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

التواصل الغائب

الطيش، لفظة مرتبطة بالشباب عادة، قِيلت في أفلام قديمة للدلالة على التهور والانفعال، ودائماً ما ينتح عن هذا الطيش عواقب غير محمودة.

منطق الأشياء يقول: إن ما كنا نفعله بالأمس لا يصلح لأن نفعله اليوم، لذا فإن مساحات المسموح به في سن معينة تضيق أو تتحدد أو تتغير بتقدم العمر، والسير نحو مفهوم النضج.

ربما يكون مسموحاً للإنسان في سن مبكرة بالتجاوز أحياناً، والطيش أحياناً، والتطرف أحايين أخرى، كما يمكن للمحيطين القبول بهذه التجاوزات منه، على أنه لم يصل بعد إلى سن النضج، لكن بعد أن يصل إلى السن المذكورة، ويمارس الأفعال نفسها، فالأمر يكون هنا محل انتقاد ورفض.


وعلى هذا فإن الطيش غير المرتبط بسن الشباب غير مقبول، كطيش الكبار والناضجين، وكطيش المؤسسات التي من المفترض أنها ناضجة فاعلة ومؤثرة في المجتمع ككل.


نعم، هناك فرد طائش، وهناك مؤسسة طائشة، تفعل ما هو غير مقبول أو معقول، وتسهم في تأزيم الأشياء وإيصالها لحد من الصعب العودة منه.

الزمن دالة أخرى في معادلة الطيش. فما كان مسموحاً به في السابق زمنياً، لم يعد مسموحاً به في وقت لاحق، والطيش مثله مثل النوايا الحسنة غير المرتبطة بفعل، والتي تؤدي في بعض الأحيان إلى قطيعة وتباعد بين من يقوم بالفعل، ومن يقع عليه الفعل، أي قد يتباعد المواطن عن الحكومة، إذا ارتكب أحدهما فعل الطيش.

والطيش هو غياب التواصل مع الناس، التواصل بمفهوم تطوير الأداء والاستمرار بقوة دفع متزايدة، والتواصل بمفهوم القدرة على إيجاد لغة مشتركة يتواصل بها المسؤولون، مع الطرف الثاني ـ الذي هو نحن ـ تواجه مشكلة حقيقية، لذلك حتى لو امتلك الطرف الأول رسالة ما، فإنه يعجز عن أن يوصلها إلينا، لأنه لا يمتلك أو لا يريد أو لا يعلم لغة الحوار وأسلوب التواصل معنا، وبالتالي يستمر فعل الطيش.

ويبقي السؤال: من الذي عليه عبء البداية، الطرف الأول (الذي يمارس فعل الطيش) أم الطرف الثاني (الذي يقع عليه تبعات فعل الطيش)، أم طرف ثالث لا نعلمه، قد يكون مؤسسة أعلى أو أقل في التراتبية والأولوية، أو مؤسسة متخصصة في فن التواصل؟

حالة الطيش لا بد أن تنتهي بأن يتحدث الجميع إلى الجميع بلغة مفهومة ومتحضرة.. بلغة تحترم العقل أولاً، وقبل كل شيء.