الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

جائحة.. أم جوائح؟

ما أن حلت جائحة كورونا حتى سارعت الحكومات لاتخاذ الإجراءات لمقاومة عدو خفي أوقع في شباكه أكثر من 20 مليون مصاب، وما يتجاوز 750 ألفاً ممن فقدوا حياتهم في صراع البقاء بعد أن حاصرتهم الجائحة المارقة، وسلمتهم للمنايا.

بيد أن هذه الجائحة أنستنا أن ثمة «جوائح» أخرى أشد فتكاً، إذ خلّفت كثيراً من الضحايا والمفقودين، نرصد منها 3 أشكال ضربت بجذورها في مجتمعاتنا، وباتت عصيّة على كل الدفاعات.

الجائحة الأولى: صراعٌ خفي، إلا أن أثره كارثي، كالرمال المتحركة في صحراء التيه، ترصده في بعض المؤسسات، تجده بين الإدارات أو بين المديرين والعاملين على شكل صراعات، تصل أحياناً إلى الإبداع في بناء «لوبيات» و«تكتلات»، ليست للإعمار والابتكار، بل لإهدار العمر المهني والمؤسسي في حروب الرحماء ومعارك الفرقاء، يرى كل ذي بصيرة بعدسة عينه نظامين متناقضين؛ يتمثل الأول في سياسات وإجراءات وأنظمة وأفراد قائمين عليها، أما الآخر ففي المؤسسات ذاتها، ليس له من القرارات والمبادرات إلا اسمُها، ناهيك عن نجاحات لا تبصر النور إلا عبر حسابات ومعادلات «الشخصنة» ونتائج المعارك المستعرة بين الحمائم المؤسسية و«الصقور» المهنية، في حرب عبثية طاردة لكل ناجح.. والجائحة الثانية: هدرٌ في الوقت المؤسسي في اجتماعات عن بعد أو قرب أشبه بمتاهات، غير واضحة المعالم والغايات، تمتدُّ بعضها إلى ساعات بدون إنجازات واقعية نتيجة إصرار المدير على الاجتماع لأجل إثبات الذات، بينما الحضور يجأرون من طول الوقت بلا فوائد أو عوائد، والمتعاملون يطول انتظارهم، ليصبح التركيز على «الشكل والإجراء» أهم من «المضمون والإنجاز»، ولنا أن نتخيل مبالغ الكلفة الخفية من جراء هذا الهدر في الوقت وقهر العاملين وتجاهل المتعاملين.


الجائحة الثالثة: التنمرُ اللفظي، والجرأة على منظومة القيم المجتمعية، ومخاصمة المعلومة التوكيدية رغم الإتاحة المعرفية، والمبالغة في التفاهات، واختزال حقائق الكون في عوالم افتراضية استبدتْ بتفكيرنا، وجعلت منا أسرى ومدمنين خلف منصات وسماوات مفتوحة ومنزوعة الحياء بما تبثه من نفايات فكرية، وما تحويه من قنابل موقوتة تحمل أطناناً من الأكاذيب والمغالطات والطاقات السلبية، مع غياب الحدود الدنيا للمعقولية والمنطقية والخصوصية والقيم الإنسانية.. للجائحين.. لماذا لا تجنحون لقيم الجمال الكوني؟.. كفاكم خداعاً ذاتياً ونفاقاً مجتمعياً وكسلاً معرفياً، العالم بحاجة لفضاءات إنسان حقيقي بأفعاله وليس افتراضياً بأقواله.