الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

صناعة الذوق العام

هل الذائقة حرية فردية لا ينبغي التدخل فيها، أم أن وجودها صنعة تفرض التدخل ولا علاقة لها أو ارتباط مع الحرية الفردية والجمعية؟ وذلك من منطلق أنه كما يُخيَّر الجمهور في خياراته، إلا أنه لا بد من تسييره أحياناً، فهو، وإن كان له أمزجته، إلا أنه من واجب النُّخب والمسؤولين، تقويم سلوكه وفرض الرؤى عليه، والذائقة التي يراها تتماشى مع الثقافة والعادات والمعتقد والسلوك العام القويم.

مؤخراً، وفي خطوة مثيرة للجدل، تدخَّلت نقابة المهن الموسيقية بمصر عبر نقيبها العام، وأصدرت قراراً للحد من ظاهرة أغاني المهرجانات، التي بات يُسمع صداها في كل مكان، وتجتذب المستمعين ليس في مصر فقط، بل في الوطن العربي كافة.

هي ظاهرة مقلقة لا لمستواها الفني الهابط جداً، بل لمآلاتها على فئة صغار السن والشباب، والسلوك الذي تروِّجه والكلمات ذات المستوى الوضيع في بعضها، وكذلك المواضيع التي تتطرق لها، حيث تعدَّت مجرد كونها أغنية «فرايحية» راقصة، لبلطجة غنائية تُسوِّق لتصرفات ومظهر غير سويَّين يدعوان للانحلال والعدائية، وإثارة الغرائز وانتهاك القانون وممارسة الممنوع، يُخشى أن يُشكِّل قدوة سيئة، في ظلِّ محدودية حضور البديل الإيجابي الخلَّاق ذي المضمون الهادف الراقي، المضمحل لحساب موجة الغناء الصاخب المستفز والمثير، الرائج جداً هذه الأيام، متعدياً حدود الطبقات الشعبية وغير المتعلمة، ليمتد تأثيره ويشمل جميع فئات المجتمع التي باتت تتشارك مع بعضها المتعة في الكلمة السريعة والجمل الهابطة والرقصات ذات الإيقاع الصاخب.


التدخل رغم انتهاكه لقدسية الحرية مطلب ضروري قد يفيد في توعية الجمهور، ومنع انحدار ذائقته الفنية، واستدراكه قبل الغرق في موجة لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، لذا فهو واجب لا بد من القيام به ليس لفرض نمط معين، بل لتحييد واستثناء الخارج عن المألوف والمتجاوز للحد الأدنى منه الذي يجب عدم تخطيه.


الفن الهابط سلعة مربحة، لذا فاستمراره مهم، والدفاع عنه يتجاوز كل الأخلاقيات والقوانين، فما يجلبه من ثراء ومكاسب يُحلِّل لبعضهم بقاءه وانتشاره، وإن لم تتم مواجهته بخطة عمل منهجية تدرس بيئة المستمعين واحتياجاتهم، فلن يكون لها أثر فعال في الاستقطاب، بل ربما ستزيد من انتشاره والتعاطف معه، وسيشجع الإخفاق في التصدي له العديد لركوب الموجة وامتهانه.