الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

حضور.. وانصراف

ما معنى أن نستيقظ صباحاً لبدء عملنا سواء من المكتب أو المنزل؟ وما هي قيمة هذه الساعات الأولى من يومنا؟ وكيف تؤثر بنا ونؤثر فيها؟

بالنسبة للبعض قد تكون هذه الساعات روتينية في حياتهم، اعتادوا عليها، بينما تلك الساعات قد تشكل أمنية وحلماً للملايين حول العالم، متشوقين لكل دقيقة فيها.. ساعات العمل ليست مجرد مجموعة من الدقائق التي تمّر بين الحضور والانصراف.. فقيمتها تكمن بفهم الحقوق والمسؤوليات، ورؤية الفرص في كل دقيقة فيها.. أحترم جداً كل ساعة عمل في يومي، فهذه الساعات مختلفة عن غيرها من ساعات اليوم العادي.. فلنا حرية اختيار ما نقوم به في وقت فراغنا، فهي ممتلكات شخصية، لكن ساعات عملنا ليست ملكاً لنا وحدنا، هي استثمار لأوطاننا وحكومتنا، ومؤسساتنا!

كيف نستطيع جميعاً معرفة قيمة الساعة الواحدة من يوم عملنا، وعلى من يقع عاتق مسؤوليتها وأمانتها؟.. الإجابة بسيطة؛ لكنها مؤثرة، ففي الشهر الواحد يعمل معظمنا 21 يوماً، وبتقسيم راتبنا الشهري على 21 يوماً يكون الحاصل حجم استثمار مؤسساتنا اليومي فينا، وفي هذه الأيام، يعمل معظمنا لسبع ساعات، ولو قسمنا الرقم على 7، سنصل إلى تكلفة الساعة الواحدة من يوم عملنا.

هذا الرقم أدونّه في مفكرتي، قبل العمل على كل مهمة، أو حضور أي اجتماع، أو الانشغال بأي شيء أثناء العمل، لأسأل نفسي إن كان العائد من هذا الانشغال يتوافق مع تكلفة تلك الساعة؟.. لا للاجتماعات الطويلة بلا أجندة، ولا للدردشات والقهوة التي تمتد لساعات، ولا للانشغال بالقيل والقال وتسميم بيئة العمل، أو تصفح للمنشورات والمشاركات عديمة الفائدة، ولا لتضييع الوقت بالزيارات بين المكاتب والممرات.

التفكر في هذا الرقم يدفعني للوقوف أمام حجم المسؤولية والأمانة، والتفكر في هذا الرقم يدفعنا لنتساءل حول ما قدمناه في هذه الساعة من أثر وإنجاز، ومن إنتاجية ليكون مؤشر الاستثمار إيجابياً أخضرَ رابحاً، لا سلبياً أحمرَ خاسراً.

نحن نعيش في وطن ندين له بنعم لا تحصى، ونتحمل أمانة عقود أخلاقية مع مؤسسات تدفع لنا أجورنا رغم تبدل الظروف، ونعبد رباً سميعاً عليماً يرى عملنا ويعلم ما في الصدور.

كم مرة صادفتم موظفاً يظن أن واجبه في يوم العمل يتمثل بتسجيل الحضور صباحاً والانصراف ظهراً، ويتقن إضاعة ما بينهما من ساعات في كل شيء، إلا العمل.. مثله لا يختلف كثيراً عن السارق، إذْ كلاهما يسطو على ملك غيره دون وجه حق وعلم، وهذا ينطبق على المتثاقلين الكسالى في المؤسسات.. فهم يسرقون جهاراً نهاراً قيمة هذه الساعات بإهمالهم وجحودهم لنعمة رزق يتمناها الملايين حول العالم.

حريٌ بنا أن نتذكر مع مرور كل ساعة عمل أن هناك أكثر من 170 مليون باحث عن العمل حول العالم، وأكثر من 17 مليون إنسان يواجهون خطر خسارة وظائفهم بسبب تداعيات وباء كورونا... قد يبرر البعض تهاونه وإهماله، في العمل لنقص في الامتيازات، أو غياب تشجيع الإدارات، ليعلق فشله على شماعة من الأسباب الواهية.. لا شك أن المحفزات مهمة، وهي أساس لاستمرارية النجاحات، لكن تبريره لا يختلف عن من يبرر جرائم السرقة والقتل والاعتداء بحجة الظروف والشهوات.. جميعها مبررات غير إنسانية، ولا هي سوية؛ مبررات يلجأ إليها الظالمون لأنفسهم والجاحدون لنعمة العمل.

تعلَّمت من تجربة العمل مع 8 مؤسسات، أن وجود اللوائح والسياسات لتنظيم العمل أمر بالغ الأهمية وقد يقرأ بعض المديرين جانباً من تقييم الأداء من خلال متابعة أنظمة الحضور والانصراف وغيرها من الأدوات والممارسات المؤسسية، ولكن أدركت أن أبرز ما يقع في وجدان المديرين والموظفين لا يُكتب على ورقة، ولا تسجله بصمة جهاز، بل هو مجموعة من المبادئ والقيم والأخلاق التي تشكل «ضمائرنا» وتسطير وتحكم بسلوك الشخص وفكره.

الضمير هو ما يمكن الإنسان من التمييز بين الخطأ والصواب، والحق والباطل، وهو ما ينأى بنا عن ما لا يتوافق مع قيمنا ومبادئنا.. فإن كان حياً شعرنا بالقيمة الحقيقية للعمل وترجمنا معانيه بسلوك أمين ومسؤول يقدر مصدر الرزق ولقمة العيش، أما إن كان ميتاً، فلن تضيع ساعة وساعات وأيام وأسابيع وأشهر فحسب، بل سنخسر قيمة أنفسنا وإنسانيتنا وبركة رزقنا.

نسأل الله أن يرزقنا بركة الإنجاز والإخلاص في كل ساعة عمل، ويجلعنا شاكرين حامدين.. مجتهدين ممتنين لا جاحدين.