الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

سراب الوعود.. وذاكرة النسيان

إن حارَ عقلُك ولم تظفر بما يهدئ ثورته، وانقطعت بك دروبُ التعجب إزاء عدم احترامِ الوعود أو الوفاءِ بالعهود، وإن أحببت أن تخطو خطوة أخرى لتتأكد أن وجعَك وألمَك ودهشتَك من سلوك بعض صنوف البشر هي همومٌ مشتركة، فعليك إطلاق استبانة عن رضا رفقاء دربك عن شركائهم في الرابطة الإنسانية ممن يطلقون الوعود ليل نهار لمقتضيات ليست بالمستحيلة ولا بالعسيرة، لكنها يسيرةٌ إن وجدت العزيمة، وصدقت النية، وستدهشُك نتائجُ الاستبانة في تبيان إحدى كوارث مجتمعاتنا.

قد تفقدُ ما تبقى لديك من ثقةٍ في بني البشر حين تتحدث لأحدهم في مكالمة مطولة، ويَعِدُك خلالها جازماً ومؤكداً بأنه سينجزُ أمراً ما ضمن نطاق تخصصه، وأنه قاب قوسينِ أو أدنى من الإتمام، وسيرسله في غضون أيام، وتمضي بك الليالي والأيام منتظراً متابعاً متوجساً، والآخر متناسياً متجاهلاً موصداً خنجره في صدر قيم الوفاء وموجبات الالتزام؛ ليسلمك إلى سراب الخيبات كثائر جريح أتعبته ذاكرته المثقلة بالأفكار، وتاهت كلماته التي أعياها الانتظار من آلام بشر النسيان وعدم الالتزام.

ليتها تلك الصورة الوحيدة في ظاهرة عدم احترام الآخرين لوعودهم، والاستخفاف بتوقعات رفقاء دربهم، فمسلسل سراب الوعود وذاكرة النسيان له إصدار متمدد متجدد.. قد تمطر هاتف أحدهم بمكالمات ورسائل صوتية ونصية، لا يعبأ بها أياماً طوالاً، فتظنه أصيب بغيبوبة افتراضية، حتى يحدُث ذلك الطفح الفُجائي على شاشتك بأن يبدأ من جديد متناسياً وعود الأمس وكأنها كانت بين كائنات كوكبية، فيفيض على هاتفك سخاء بتحايا الصباح والمساء بدون اعتذار أو تبرير؛ حينها تكتشف أنك لا تزال عنده قابعاً بذاكرة النسيان كرقمٍ عشوائي ضمن أرقام متراصة على أرفف دكان هاتفه.


وآخر يُسكنك غياهب ذاكرته الواهنة زمناً طويلاً، ليعاودَك من جديد مستغرباً سر غيابك واختفائك، وهو الحاضرُ الافتراضي والغائبُ السرمدي، وتتعجبُ من قدرته على إقناعك بما لا يضيف قيمة لبنيانه القائم على أحادية المصلحة ومخاصمة ثنائية الحياة وغياب الحياء.


إن لفحتكم نيران «سراب الوعود»، وتُهتم في طُرقات «ذاكرة النسيان»، وأصمّكم نشاز إيقاعات «أصحاب المنفعة والأنا»، فلا تبحثوا عن الدواء، ولكن شيّدوا في بنيان عقولكم مرفأ أمان عنوانُه «لا تنتظر الوعود، ولا تتوقع التزاماً بعهود، والزم بيتك حتى لا يطول انتظارُك للسراب».. فما بين الوعود والنسيان هوة سراب سحيق.