الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

شرع.. بلا مزالق وبدون أدعياء

من المؤسف جدا تكلم بعض أهل العلم من أهل هذا العصر عن غير وعي، ومن ذلك ادعاؤهم وزعمهم وتوهمهم أن ما تصدره الدولة من تشريعات طبقا لأنظمتها الدستورية الحديثة؛ غير موافق للدين، وأنه مخالف للشريعة، أو لا يستند إلى المصالح المرسلة، وأن هذه قوانين وضعية، مخالفة حسب نظرهم القاصر لحكم الله سبحانه وتعالى، ولحكم رسوله، صلى الله عليه وسلم.

هناك أسباب كثيرة للجراءة على ما قدمت ذكره، لعل من أولها الإعجاب بالنفس، ومحبة الصدارة والشهرة والظهور، والاستنكاف عن مشاورة من هو أفقه وأعلم، وعدم التمهل في إصدار الأحكام، وعدم فهم المتحدث للهجة من أمامه، ومنها كذلك اتباع أهواء الآخرين وتلبية رغباتهم، والترخيص لهم بما يرضيهم، من أجل أن يظهر المتصدر للمجتمع ولمن حوله أنه المستنير المنفتح العصري الذي لا مثيل له في قبول التحولات والمتغيرات، والأسباب تطول.

في الحديث الشريف الصحيح: «ما أنزلَ اللَّهُ داءً إلا أنزلَ له شفاء، علِمَه من علِمَه وجهِلَه من جهِلَه»، رواه الإمام مسلم وغيره، والداء هنا يشمل الأدواء الحسية والفقهية والاجتماعية، والأدوية الناجعة موجودة، ومن أهمها السعي الجاد لمحو الأمية الفقهية، وهذا يعني تعليم الناس الحد الأدنى مما لا يستقيم الدين إلا به، ومن المهم كذلك تكوين علماء قادرين على الأخذ بيد الناس إلى بر الأمان، من الوقوع في مزالق الفتاوى الشاذة.


بقي أن أقول إن التخرج من المدارس أو الجامعات الشرعية لا يكتمل إلا بمخالطة ومعاشرة الأكثر علما، كما هو منهج من سلف من علماء الأمة، الذين كانوا لا يقدمون على الفتوى إلا بعد إجازة كبار علماء عصرهم لهم بذلك، وهو ما عبر به إمام دار الهجرة سيدنا مالك بن أنس، رحمه الله بقوله: «ما أفتيتُ حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك»، كما ذكره الخطيب البغدادي في كتابه (الفقيه والمتفقه).


وأختم بأن الناس في أمس الحاجة دائما أبدا إلى أن يتم تخليصهم من أدعياء الفقه والفتوى، وذلك بعلماء متوسعة مداركهم، منفتحة عقولهم على جديد دنياهم، وهذا حتما سيصب في مصلحة جمع الكلمة، وتجنيب الأمة التفرق والشتات، وسيحقق مقاصد الشرع الأسمى في التيسير ورفع الحرج، وفي الوسطية والاعتدال.