الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

المسلمون.. وداء العصر

في أكتوبر عام 1917، وقبل أكثر من قرنٍ كتب العلامة السيد سليمان الندوي في افتتاحية المجلة الأردية الشهيرة «معارف»، الصادرة عن مجمع دار المصنفين بأعظم جراه الهند، في معرض بحثه عن أسباب تقدم المسلمين في ماضيهم وتأخرهم في حاضرهم أن هذه الأسباب تنحصر في حماستهم الآنية والفورية الجيّاشة، بمعنى أن المسلمين يستطيعون أن يزحزحوا جبلاً عن مكانه بقوة الفيضان في حين لا يستطيعون أن يشقوا طريقاً جبليّاً، كرجل ينحت الصخر بصبر وأناة ثم يشق الطريق وسطه.. إنهم يستطيعون إحراق حقل بأكمله في طرفة عين ولا يمكنهم أن ينقلوا حبة تلو حبة كالنملة في مجاهدة ومكابدة، يستطيعون أن يضحوا بأرواحهم دفاعاً عن مسجدٍ، ولا يسعهم أن يجتهدوا بدأب ومثابرة لإعادة بناء مسجدٍ مهدَمٍ، ويمكنهم أن يفدوا بأرواحهم على إيماءة أبوالكلام آزاد أو محمد علي، ويعجزون عن تأمين سراح الأسرى المسلمين بالكفاح والنضال القانوني المتواصل.

إن السّبب الرئيسي لفشلنا أننا نتصرف كعاصفة هوجاء ونتعامل كالبرق، ولم نتعلم بعدُ بذل جهود دؤوبة ومتواترة بصبر وأناة، علينا أن نكون كمياه الأنهار تتقدم ببطْءٍ وتتوسع على مرّ الأيام لتصبح أنهاراً فائضة، إن سر النجاح يكمن في التفاني في العمل والجهد الدؤوب المتواصل، فقمم الهملايا الثلجية تذوب ببطء وتغذّي الأنهار والسواقي ولا تسمح لنهري الغانج واليامونا بأن يجف ماؤهما، مياه المطر الغزيرة تملأ الأرض بالماء سريعاً وتتبخر في أيام.

ما أصدق ما أتى به العلامة السيد سليمان الندوي من تشخيصٍ دقيقٍ لداء المسلمين قبل قرنٍ، حيث لا يزالون عالقين في عواطفهم الآنيّة التي يتصرّفون وِفقها، هم الآن يُعانون من الفوضى الفكرية أفراداً وجماعاتٍ وحكوماتٍ متمثلة في قلة الوعي بحاضرهم وعدم التخطيط لمستقبلهم، وعجزهم عن بذل الجهد بصبر ومثابرة وفق خطط مدروسة، وتوجيه المجتمع تجاه البناء باستغلال الوسائل المتاحة، فكم من بلاد شرقية تطورت ولحقت بالغرب المتقدم ككوريا الجنوبية واليابان وغيرهما، وبقيت المجتمعات العربية والإسلامية في تخلّفٍ.


للعلم، يُعدّ العلامة السيد سليمان الندوي من كبار الشخصيات الإسلامية في الهند وخلّف عدداً كبيراً من المؤلفات جليلة الشأن مثل «سيرة النبي» (في عدة مجلدات) و«أرض القرآن»، و«العلاقات العربية الهندية»، و«الملاحة العربية والاكتشافات البحرية» وغيرها، أما «مجمع دار المصنفين» الذي شارك في تأسيسه وأشرف عليه وقدم خدمات علمية جليلة، فهو اليوم يحتضر لأسباب مالية ولا سيما بسبب كورونا، أليس من واجب المسلمين حماية هذا الصرح العلمي التاريخي من الفناء؟