الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

الحُلي في تاريخ الجمال

تؤكد أميرة حلمي في كتابها (فلسفة الجمال) العلاقة الوثيقة بين الفن والجمال لارتباطهما بالقيم الإنسانية وعلاقة الذات بالمجتمع؛ فمنذ القدم عرف الإنسان التجميل وأبدع في ابتكار مواد تجميلية وحُلي تزينية ضمن معايير الذوق الاجتماعي، والانجذاب الفردي؛ فعُرفت أنماط من الحُلي في كل مجتمع على حدة، عكست أشكال الوعي والاهتمامات المدركة والمرجعيات الثقافية التي تأسست عليها.

ولعل الحُلي والمصوغات من أهم تلك الأشكال والأنواع الجمالية التي اهتم بها الإنسان منذ إدراكه لفن التجميل، فكان أن اكتشف المعادن الثمينة وقيمتها الاقتصادية والفنية بل الاجتماعية والنفسية، فصنع منها أجمل المصوغات في أشكال ارتبطت بأعضاء الجسد بُغية إبراز جمالها وإظهار تميزها، حتى أصبحت تلك المصوغات في جوهرها العام دالة على هُوية المجتمعات وفكرها الفني، بالإضافة إلى النظام الاجتماعي الصارم الذي يقنن طرائق ارتداء هذه المصوغات وأوقاتها.

ويعد معدنا الذهب والفضة من أكثر تلك المعادن قدرة على التشكل، وبالتالي أكثرها إمكانية على الابتكار والإبداع؛ حيث صُنعت منها مصوغات بأشكال متعددة تتوافق مع الفكر المجتمعي والمعتقدات الدينية، ولأن العرب بشكل عام وأهل الخليج العربي بشكل خاص قد اهتموا بالتجميل والتزيين، فإن هذا الاهتمام تركز أيضاً على المصوغات؛ حيث كان معدن الفضة هو الأكثر شيوعاً في القديم مع قلة استخراج معدن الذهب وغلاء ثمنه، ولهذا سنجد أن أكثر المصوغات تكون فضية، وتتميز بالجودة العالية ودقة الصناعة وحرفيتها، ولعل منطقة الخليج تتميز بتعدد أشكال تلك المصوغات وتنوعها الذي يميز ليس فقط المجتمع العام أو الدولة، وإنما المجتمعات الصغرى في التجمعات السكانية المختلفة (المحافظات، أو الولايات، أو القرى).


ومن تلك الدول سلطنة عمان التي تتميز بتنوعها الثقافي، وبالتالي تتنوع المصوغات من حيث الصناعة وطرائق الارتداء ونظامها الاجتماعي، لنجد أن مصوغات من مثل: (خواتم الأصابع) لها أنواع ومسميات ونظام؛ فهناك خاتم (الفص) للخنصر، وخاتم (السطح) للبنصر، و(الحيسة) للوسطى، و(الشاهد) للسبابة، و(العويص) للإبهام، وكلها لا بد أن تُلبس ضمن هذا النظام مجتمعة، أما أصابع القدم فتُلبس بها خواتم (الحيسة) وتكون في إصبعي السبابة والإبهام.


لذا فإن التنوع الثقافي الذي تشهده المصوغات لا ينفصل عن تاريخ الجمال، والإبداعات الفنية التي يبتكرها الإنسان ضمن جوهر الرفاه الاجتماعي، ولأن منطقة الخليج العربي زاخرة بالتنوع والثراء الفني، فإن تدوين هذا التاريخ ودراسته يُعد ضرورة أساسية يقوم عليها التجديد ومواكبة العصر وتطوراته في هذا المجال، حتى تظل هذه الفنون محتفظة بجوهر هُويتها.