السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

النص الذي يمثلني

أنت حيث تجد نفسك، في عالم الواقع، أو في الخيال، أو في نص أدبي ينجح في استدراجك داخل أسواره.. ثمّة نصوص شعرية، أو نثرية، أو سرديَّة، أو حتى مقطوعات فنية متناثرة، تأسرك في كونها تحمل بعضاً مهماً من تفاصيلك، آمالك، أحلامك، خيباتك، هواجسك ومخاوفك، وثمة نصوص تشعرك بأنها كُتبت عنك، ومنك، ولأجلك.

لذلك ستحب النص، وستتعلق بكاتبه، وستقرأ النص وكأنك مشتبك مع مكوناته، تحاول جاهداً الانتصار في النهاية، أو القبول بها، مستسلماً أو رافضاً.

النص الأقرب إلى القارئ، هو النص الذي يحتويه.. أحياناً نتساءل عن أسباب رواج بعض الكتب متدنية الفكر والمستوى بين الناس، من المراهقين أو النساء، أو فئة معينة بذاتها، إذ نقيّم العمل من حيث مستواه الفكري والفني، لكن تلك الفئات تقيّمه من حيث تماسه معها، دون حواجز، ودون استعلاء، ودون صيغة إرشادية.


حين تصير جزءاً من النص الذي تقرؤه، متورطاً بحركته ونموه وتطوره، يكون تفاعلك معه أكبر، وتجاوبك معه أكثر عمقاً.. إنه نص محفز لفكرك قبل عواطفك.. يستوقفك عند كل مقطع لتتأمله، وتطرح أسئلتك المشروعة: هل ما حدث صحيح؟ وهل كان يبغي أن يقع الحدث بتلك الصيغة وذلك النمط؟.. ما البديل؟ وما الحل إذن؟ وهل تلك الأفكار حقيقية؟ أليست موجودة؟ فلماذا ندفنها؟ ولماذا نعاند تجذرها فينا؟ وتفرعها في كياناتنا؟ وكيف نتعامل مع حقيقة وجودها في مقابل ضغط المجتمع نحو مقاومتها ومقاتلتها كأنها عدو خبيث خلق معنا كالشيطان؟


إنها نصوص تشرّح الحياة، نصوص إنسانية متواضعة، تزداد وهجاً إذا كان الكاتب يمتلك زمام لغة شعرية شفافة، ولغة واقعية مباشرة التعبير.. النص الإنساني الذي قد تعثر عليه في رواية طويلة، أو تصادفه في شذرات متناثرة في حسابات التواصل الاجتماعي، هي نصوص نفخت الحياة فيها من روحها، فمنحتها في أحيان نادرة إكسير الخلود، الذي يجعلنا لا نزال نتعاطف مع عشتار وهي تهبط إلى العالم السفلي لزيارة تموز، وما ترتب عن ذلك من جفاف في الزرع والنسل على الأرض، كما تروي نصوص الأساطير البابلية القديمة.

أما النصوص التي يهجرها القراء، على الرغم من نفاسة كثير منها، فهي النصوص التي اختارت أن تدخل في صدام مع الإنسان.. إنها نصوص قوية صادمة، ذات طبيعة موحشة يشعر القارئ معها بحيز واسع من الغربة، تزيد من أحزانه ولا تناقشها، تثير مواجعه ولا تداويها.. إنها نصوص لا تستثير الفكر والوجدان، بقدر ما تثبط العزيمة، وتبشر بالهلاك الحتمي.