الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

مسافة برسم الصمت

أصعب مواجهة، تلك التي تكون مجبراً عليها مع شخص تحبه، ولا تريد أن تخسره، تتحاشى أن تصطدم معه، مراعاة للود ولعشرة عمر تجمعكما، والكثير من المواقف التي لن تسلم من تأنيب الضمير فيما لو فكرت أن تدير ظهرك لها أو إنكارها في لحظة فورة غضب، أو حينما يئن عليك موضع الكرامة في نفسك!

أما الأكثر إيلاماً، فهو أنك تُبقي ما نفسك في نفسك من خذلان من شخص تعجز أن تقتلعه من قلبك، وتضع محله صخرة، لتضع نقطة نهاية لاضطراب مشاعرك معه أو تعبك النفسي جرَّاء تصرفاته أو «مزاجيته المتطرفة» معك، تحبه ولكن هناك شيئاً قديماً يتجدد منه في نفسك، تحبه ولكنه يفاجئك بتجرئه عليك دونما مسوّغ يدفعه إلى أذيتّك، تحبه ولكنك تتفاجأ بعد مضي سنوات أنك لا تعرف أين موضعك في نفسه!

الأشخاص الذين تجمعنا بهم علاقة مودة قديمة جداً أو قرابة ما، من المفترض أن يعرف كلٌ منا طباع وما يؤذي وما يسعد الآخر.. أن يعرف حدود التدخل في شؤونه، ويحترم كينوته ومزاجه الخاص، الذي لم يفرضه عليه أو على حياته يوماً.


ولذلك، أحياناً كثيرة يجنح البعض منا إلى وضع «مسافة برسم الصمت»، عوضاً عن الدخول في مواجهة مع شخص لن يُقر بذنبه تجاهك أو حتى الاعتراف بـ«هذرة» مريضة بثّها في ظهرك يوماً بلا مسوّغ، لذلك، تبقى الشجاعة فضيلة ليس كل منا يستطيع أن يعتلي مناطها!


مع تقدم العمر، ليس باستطاعتنا أن نواجه كل من يتجرأ، أو ينكر، مودتنا أو طيبنا، وكرم أخلاقنا، وتسامحنا معه كما كنا في مقتبل أعمارنا، ننظر إلى أنفسنا اليوم، من كوننا كائنات أصبحت معتّلة صحياً وفيزيائياً؛ تتوسد مكملاتها الغذائية باهتمام بالغ وتطمح للعيش بسلام مع كل شيء.. تنشد الهدوء دونما تعدِ منها على خصوصية، أو كرامة، أو حقوق أحد، أو مزاج أحد!

المودة الحقيقية، أن تحترم اختلافي عنك ومعك، وتحترمني في حضوري وغيابي، في اختياري حينما ألوذ بوجعي منك بعيداً عنك، وأركن إلى صمتي.. لأني لا أريد أن أخسرك!