الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

بذرة الفساد

«لقد بلغت من شدة عدم اكتراثي أن تمنيت في النهاية أن أقبض على دقيقة واحدة أحس فيها أن شيئاً ما يستحق الاهتمام».. أحياناً كثيرة يشعر أحدنا بهذا الشعور الذي عبر عنه ديستويفيسكي على لسان بطل قصته: «حلم رجل مضحك»، فقد أصابه الملل واليأس والاكتئاب من حياته التي لا يجد فيها ما يشده للبقاء، فانتابته رغبة في إنهائها، لكنه راح في نوم عميق، وفي داخله وجد الحقيقة، تجسدت على هيئة حلم.

من خلال الحلم حكى ديستويفسكي قصة البشرية وأسباب ما آلت إليه من مشاكل ومآسٍ، فقد سبح بطلنا في الفضاء نحو البعيد، فهبط على كوكب يشبه كوكبنا كثيراً لكنه نقي، لم تتشوه فيه النفوس، يعيش الجميع فيه بحالة من السعادة والحب تجاه كل البشر، وكل شيء، وئام وانسجام ومشاعر نقية لا يشوبها ما يعكر الصفو أو يبعث على التحامل أو الحقد، فأدهشه العيش فيه، حيث لا مجال لاكتئاب أو حزن أو ضيق أو ندم، وهو ما لم يَعْتَدْهُ في كوكبنا، الذي جعله يزهد في الحياة ويبغضها من كثرة ما بها من عذابات.

الأمور لم تستمر على هذه الحال، فقد بدأ بطلنا غرس بذرة الفساد بصورة بريئة، بمزاح يتضمن كذبات خفيفة.. فأحبوها وتداولوها، فظهرت اللذة التي ولدت الغيرة، وهي بدورها ولدت الحقد والقسوة، فتفرقوا، وسُفِكَ الدم، وتشكلت التحالفات، وبدأت المعارك حول الملكية والاستحواذ، وانتشر الفساد، حتى باتت حياتهم السعيدة الماضية، أشبه بخرافات وأساطير.


الكذب هو البوابة لكل الموبقات، لو توقف لانتهى الفساد، ليتنا نحارب الكذب ونقلع جذورة لنصبح سعداء، فهو بذرة الفساد.