الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

الخليج والنرويج.. والليل فوق المحيط

إنها المرة الأولى التي أعاود فيها أسفاري في ظل الجائحة، تجربة استثنائية أن تمتطي بساط الريح في زمن كورونا وما فرضته من واقع جديد، تبدأ رحلتك مع الإجراءات الاحترازية من مطار المغادرة، وتستشعر الاستنفار غير العادي للعاملين الذين أُضيف إلى مهامهم وأعمالهم عبء على أعبائهم.

أخذت مقعدي في الطائرة المتجهة من أبوظبي إلى تورونتو الكندية بعد سلسلة إجراءات، أهمها: الخلو من الفيروس أو حتى أعراضه، ومسافات متباعدة بين المقاعد.

قُبيل الإقلاع، يلفت نظرك مدرج المطار، حيث تقبع عشرات الطائرات بعد أن أقعدتها الجائحة، وطمرت معالم الحياة أمامها، وباتت تنتظر يقين الغد، فعسى الكرب الذي أمست فيه يكون وراءه فرج قريب، لتعاود شق عباب السحاب نحو وجهاتها.


المضيفات أشبه بممرضات يتنقلن بين الأسرّة بحذر أكثر مما يقدمن من خدمات الضيافة.. حركاتك مرصودة، وسكناتك محسوبة، تجلس في مقعدك منزوياً بعيداً وراء قناع على وجهك لن يبارحك طوال الرحلة، لا تبدي امتعاضاً ولا ضيقاً.. لقد تبدّلت معالم السفر كما تبدّلت معالم الحياة.


أخذني سُبات عميق، فقضاء 14 ساعة معلقاً بين السماء والأرض يتطلب منك قوة التحمّل وكثيراً من التصبُّر، جاءت استفاقتي من النوم على شاشة تعرض خط سير الطائرة، فأدركت أننا فوق النرويج مودعين تخوم أوروبا، ومستقبلين المحيط عند منتصف الليل، لينبلج الفجر ونحن فوق هذا المحيط الغامض المهيب، وصولاً إلى تورونتو مع ظهر اليوم التالي.

تزاحمك ذكرياتك مع تأملاتك عن بدء الرحلة من الخليج العربي لتحلّق فوق القارة العجوز أوروبا، ولتعبر المحيط من مشارف النرويج، مستعرضاً كم مرة قطعت هذا المحيط ذهاباً وإياباً لسنوات من الترحال وارتياد الآفاق، ولكن هذه المرة للسفر طعم مختلف بعد أن أضحى نظاماً صارماً من التحوط والقيود، أضاف لوعثاء الطريق عبئاً ثقيلاً.

تستشعر في مطار الوصول وكأنك نزلت بمطار عسكري، لا تكاد تجد إلا قليلاً من المسافرين، تمر عبر فحوصات وإجراءات السلامة، لتهرول باحثاً عن ذاتك، هل حقاً كنت مسافراً أم كنت في حظر أرضي جوي؟ وينتظرك حظر ثالث في بيتك.

غيّرت الجائحة وجه العالم، لكننا سنبقى على أملٍ أن يصبح السفر مرة أخرى صديق القصص والبدايات الجديدة، ونسترجع بهجة الحِل والترحال بلا حظر أو أثقال، ويعاودنا سحر التأمل ونحن بين السحاب.