الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

« ابن زوج حتشبسوت».. ما يزال معنا

كاد اسم الملكة «حتشبسوت»، التي تعدّ اليوم من أعظم السيدات في التاريخ، يضيع، ويسقط تماماً من الذاكرة الحضارية، وبالتالي كان الأمر المتوقع أنه عندما نزور البر الغربي في مدينة الأقصر، أن نمر على الدير البحري، وهو المعبد الذي نُحت في الصخر، دون أن ندري أن من شيّد هذا الأثر المهم، هي حتشبسوت.

فقد قرر الفرعون التالي لها ابن زوجها «تحتمس الثالث» أن يمحو أي أثر لها، لذلك جاب هو ورجاله أنحاء مصر القديمة بحثاً عن أي بصمة لها ليمحوها.

لذلك يلاحظ الزائرون للدير البحري أن اسم ووجه حتشبسوت، تم كشطه من جدران المعبد الذي يحمل كل تفاصيل عهدها دون وجود لوجهها أو اسمها، ولولا الصدفة أو السهو الذي حمى بعضاً من أسماء وصور الملكة حتشبسوت لسقط اسمها من التاريخ الإنساني.


لماذا أذكر هذه القصة القديمة التي تعود إلى أكثر من 3 آلاف سنة؟ لأنها قصة قديمة، لكنها فعل وسلوك دائم امتازت به ثقافتنا منذ العهود الغابرة، ومن المناسب التذكير بها دائماً.


تربّينا في مدارسنا ومجتمعاتنا على أسلوب ابن زوج حتشبسوت، حدّثتنا كتب التاريخ ووسائل الإعلام عن العهد الغابر، والعهد الزائل، والعهد البائد وكأنه بات جزءاً من ثقافتنا أن كل ما فات لا يليق به إلا إهالة التراب عليه.

وباتت إحدى العلامات المميزة لثقافتنا في التعامل مع السابق هي محاولة طمسه، بل هدمه أحياناً ومحاولة إعادة البناء من جديد، لذلك لا يعلو لنا الكثير من البنيان، لأننا نظل دوماً ندور في دوامة البداية، بداية البناء.

وإن كان أحد فينا مختلفاً، فإنه يتغاضى عن البناء الموجود إن وجد صعوبة في هدمه، وبمرور الزمن يخلق حالة وعي جديدة ومختلفة بأن هذا البناء يُنسب له، وهذا الإنجاز محسوب له حتى لو كان عمره، أي الإنجاز أو البناء، أضعاف عمر القادم الجديد.

هذه السمة ليست سمة يتمتع بها أو يستحوذ عليها كبار مسؤولين فحسب، بل إنها تتسرب إلى المستويات الأدنى، فتشكل جزءاً من نسيج تفكيرنا وأسلوبنا.

الاقتناع بأن الحضارات هي نتاج تراكمي للخبرات، ولو كان السلوك هو هدم ما سبق والتحقير من شأنه، وإلا لن تكون هناك حضارة حقيقية.