الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

«فرس فرس».. خطاب الذكر والأنثى

في الفصل الصيفي من عام 2013، أسند إلي قسم علم الاجتماع بجامعة ولاية مشغن تدريس مقرر (المجتمعات النامية) مركّزاً على منطقة الشرق الأوسط، وفي أحد الأسابيع كان موضوع الدرس حول علاقة «الجندر» أو الرجل بالمرأة.

بدأت المحاضرة بصورة لحسين الجسمي وأصالة نصري؛ وبعدها عرضت ترجمة لأغنيتهما الدويتو «فرس.. فرس».

تعتمد الأغنية الحوار بين الفارس والفرس، حيث يفتخر كل منهما بمآثره التي تصبّ في تقوية علاقة الحب مع الآخر.. هنا يظهر جليّاً خطاب الذكر/الأنثى من خلال الفارس/الفرس.

كلّ الصفات الإيجابية للفرس/الأنثى هي صفات جمالية جسدية أو أنثوية مثيرة، بل حتى صفة الشموخ والكبرياء تجدها تنكسر عندما يأتي الفارس/الذكر المناسب:

وآنا فرس.. ومعرب ساس الفرس

ما تمتثل ألا لأمر خيالها

بالمقابل، فالصفات الإيجابية للفارس/الذكر هي صفات معنوية مستمدة من التراث العربي حول الفحولة: الكرم، الشجاعة، الزعامة، وأصالة النسب.

يسير الحوار في مدح جمال الفرس، وتمنعها عن الكل إلا الفارس المنشود، بوتيرة تمجد الفارس/الفحل بشكل يحيل حتى مديح الفرس/الأنثى مديحاً له، وذلك من خلال اعترافها نفسها، وفي المقطع الأول:

آنا فرس.. ومعربٍ ساس الفرس

وأنت الغلا والفارس وخيالها

والفارس اللي بالحشا حبه غرس

هو فارس أحلام الفرس وآمالها

فكل التكثيف الغزلي الذي يسوقه «لها» ليس أكثر من مكوّن لصورة فحولته، التي تكتمل بتسلطه على نخبة النخبة من الطرف الآخر «المرأة»، التي أتعبت كل الفحول الذين يطلبون رضاها، فدورها هنا ليس أكثر من كونها دليلاً على هذه الفحولة «المسلّم بها».. بمعنى آخر «هو» استدعاها هنا ليرضي نرجسيته الذكورية وحسب.

خطورة مثل هذا النصّ تتلخص في اختصار دور المرأة بكونها موضوعاً ماديّاً جسدياً، يكرّس حياته ليعْجِب نخبة الذكور، وهنا تكمن الرسالة الثقافية حول مصير المرأة الذي يشبه الفرس: «سيمتطيها رجل،» إذاً فليكن فارساً فحلاً تتغنَّى به العرب، لأن هذا سيثبت أنها ليست كأيّ فرس، بل فرساً أصيلة استحقت بجدارة أن يعتليها هذا الفحل!

ولن أستغرق الحديث حول علاقة الامتطاء، التي تستدعي الدخول في تأويل العلاقة الجسدية في التراث العربي والشعبي.

خطورة هذا النص لا تتلخص في كلمات الأغنية، التي كتبها رجل «علي الخوار»، ولا في صوت الفحل الذي يمجد فحولته «حسين الجسمي،» بل في تغنّي أنثى «أصالة نصري» بهذا الدور!.. فعندما تتغنى سيدة صاحبة شخصية وحضور قوي بمثل هذا الدور، فإنها توصل رسالة واضحة للملتقي حول حتمية وطبيعية هذا الدور الموكل للمرأة/الفرس وهو السعي للحصول على هذا الفحل الموصوف بـ:

فارس فراسة وعزم لا دق الجرس

يهوى المعاني والمعاني طالها

الذكي اللمّاح، صاحب العزم في الشدائد، والبليغ المتمكن من اللغة.. كلها صفات معنوية تمجد «عقل» الرجل مقابل «جمال» المرأة.

تستمع المرأة لمثل هذه الأغنية، وقد ترقص طرباً عليها في مكان عام كالأفراح، أو بين صديقاتها في جلسات الفلّة، أو حتى وحدها أمام المرآة، ولكن الرسالة اللغوية قد دخلت ذهنها وتقبّلتها بشكل أو بآخر، بنسبة ما حتى لو لم تصل إليها المئة بالمئة.