الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

المدينة الإلكترونية الفَاصِلة

لن نخوض جدالاً حول أسباب عدم تحقيق كل من أفلاطون والفارابي حلميهما في المدينة الفاضلة، ولكننا أصبحنا مجبرين على الانتقال للعيش في المدينة الإلكترونية الفاصلة بين حقبتين من الزمن قبل 2020 وبعد 2020، فلهذا علينا أن نعد لمدينتنا العالمية الفاصلة مقومات الحياة النموذجية المبنية على احترام إنسانيتنا، بعيداً عن طغيان الإنسان على نظيره من بني جنسه.

والمدينة الإلكترونية الفاصلة ليست جديدة على بعض الدول، نتيجة هبوب بعض رياح الذبذبات الإلكترونية عليها قبل 2020، ولكن بعد وصول جائحة (كوفيد-19) لذروتها في 2020 انتقل معظم الناس سواءً باختيارهم أو نتيجة تنفيذ مخطط تم تحضيره لهم منذ سنوات، وهم لا يشعرون للعيش في المدينة الإلكترونية العالمية، وإذ لم يتحقق حلم أفلاطون والفارابي ومن يدور في فلكيهما بالمدينة الفاضلة، فعلينا ألّا نيأس ونحاول أن نحقق حلمنا، ونقوم بتسخير التقنيات الحديثة لما فيه خير ورفاهية البشرية في المدينة الإلكترونية الفاصلة.

وإذا أردنا ألّا نعيش في مدينتنا الإلكترونية الفاصلة ما نعيشه الآن في 2020 من اتهامات حول من نشر فيروس كورونا، الذي أحدث الرعب والدمار في العالم، الذي كنّا نحلم بأن تكون مدينة فاضلة، فعلينا أن نضع بروتوكولات أخلاقية ونسن قوانين تمنع شن حروب إلكترونية ــ ستكون أكثر ضراوة وفتكاً من الحروب التقليدية التي كانت تمنع قيام المدينة الفاضلة ــ وذلك لسهولة الوصول إلى الميادين الإلكترونية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وغيرها من الميادين التي قد تستحدث، وأشرسها إبعاد الناس عن الثروات الحقيقية الملموسة.

علينا أيضاً، الحذر من تلك التشريعات القانونية التي قد تكون في أجزاء منها خدمة لفئة قليلة من البشر تتحكم في الذهب الشفاف المتمثل في التكنولوجيا الممسكة بعصب الحياة، وأداة تسلط لفئة معينة على الآخرين، وميداناً يحاول فيه الباطل الانتصار على الحق، ما سيحتم علينا العودة للبحث مرة أخرى عن مدينة جديدة أكثر أمناً وعدالة، أو نستسلم لأن الصراع بين الحق والباطل لا نهاية له في أية مدينة كانت، وبهذا لم يحقق أفلاطون والفارابي وغيرهم حلمهم بالمدينة الفاضلة ولم أُحَقِق وغيري حلمنا بالمدينة الفاصلة.