الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

فرنسا تستهدف التطرف.. وبيئته

في تسعينات القرن الماضي اشتهر وزير داخلية فرنسي ـ كان يدعى شارل باسكوا ـ بمقولة ذات أبعاد سياسية وأمنية أطلقها على خلفية موجة الإرهاب، التي ضربت فرنسا من إلهام بما كان يعرف بالجماعات الجزائرية المسلحة، نصها: «يجب إرهاب الإرهابيين».. يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وبعد عملية ذبح الأستاذ «سامويل باتي» المروعة تبنّى هذه المقولة وأضاف إليها عنصراً جديداً يعتبر في حد ذاته نقلة نوعية، ومنعطفاً حاداً في طريقة محاربة الإرهاب والتطرف في فرنسا.

هذا المعطى الجديد يهدف علناً إلى ممارسة أقصى الضغوط على ما يعرف بالبيئة الدينية والاجتماعات الحاضنة للخطاب المتطرف، ومن ثم القيام بحل جمعيات ومؤسسات إسلامية متهمة استخباراتياً بالتعاطف مع الخطاب الديني المتطرف، بالإضافة إلى مداهمات أمنية داخل أوساط معروفة بتناغمها مع التشدد الديني.

وزارة الداخلية الفرنسية قررت أيضاً غلق بعض المساجد المتهمة بنشرها أفكاراً متطرفة، كما اتَّخذت السلطات الفرنسية قرارات غير مسبوقة بإبعاد عشرات العناصر المعروفة بتطرفها إلى بلدانها الأصلية، كما ستباشر في سحب الجنسية الفرنسية من حاملي الجنسية المزدوجة المدرجين على لائحة التطرف لدى الأجهزة الأمنية.


هذه الخطوات تشير لتغيير في طريقة محاربة الإرهاب والتطرف، فبينما كانت السلطات الأمنية تلاحق فقط مرتكبي الفعل الإرهابي، وتحاول بطريقة استباقية تفكيك الخلايا التي تعد لمشاريع إرهابية.. اختارت فرنسا تحت ضغط الصدمة أن تلاحق أيضاً كل الأشخاص والمؤسسات التي تسهم في إنتاج وصناعة وترويج الخطاب المتطرف.


هذه التحديات الجديدة تفرض على فرنسا خيارين بأبعاد داخلية ودولية، الأول: إيجاد ترسانة قانونية متلائمة مع هذه الخطوات الاستعجالية، التي تسمح لها بمواجهة الخطاب المتطرف العنيف، الذي يهيئ التحول إلى المرور نحو الفعل الإرهابي دون التخلي عن قيم دولة القانون والمؤسسات، التي يكفلها النظام الجمهوري، والتحدي الثاني، يطال علاقات باريس مع بعض الدول المتهمة بصب الزيت على نار التطرف في فرنسا.

وفي خضم هذا الجدل الصاخب، الذي نشب بعد هذ الحادث الإرهابي، وجهت بعض الأوساط الإعلامية أصابع الاتهام إلى تركيا وقطر، بحكم مساندتهما وتمويلهما الموثق لمؤسسات تحتضن الخطاب الديني المتطرف، فبحسب بعض المعلقين: إذا باشرت فرنسا بملاحقة تنظيم الإخوان على أراضيها، فإنها ستصطدم حتماً بسياسات وخيارات أنقرة والدوحة تجاه هذه الإشكالية.