الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الحرب على الجهل

على مدى 84 عاماً من عمره (1889 - 1973) أمضى طه حسين معظمها في مواجهة الجهل والجهلاء، فقد كان الجهل وراء علاج حلاق القرية لعينيه فأصابه بالعمى وهو طفل صغير، وكان الجهلاء وراء اتهام شاعره الأثير أبي العلاء المعري بالكفر والإلحاد لأفكاره وآرائه، ولذلك لم يكن غريباً أن يحصل طه حسين على أول دكتوراه عن شعر المعري، كما لو أنه أراد الدفاع عنه وإثبات براءته أمام التاريخ، وبهذا كان طه حسين أول باحث يحصل على أول دكتوراه تمنحها الجامعة المصرية 1914.

ولم يسلم طه حسين من هجوم الجهلاء عليه حتى بعد أن غادر الحياة، فقد بادر بعضهم بقطع رأس تمثاله في حديقة محافظة المنيا منذ عدة أعوام. وفي العام ذاته تم إلغاء تدريس كتابه الشهير «الأيام» بالمدارس.

أستعيد صورة وتاريخ طه حسين في هذه الأيام، التي بتنا نؤمن يقيناً بأننا لن نخرج منها إلا فوق أكتاف المتعلمين الذين على أكتافهم تبنى الأمم، ولذلك نحن في حاجة إلى إعادة دراسة وتدريس طه حسين بالمدارس والجامعات، إذا كنا صادقين في مواجهة الجهل والجهلاء، لأن استمرارنا في الجهل بإنتاجه الفكري والأدبي ـ وهو الذي أسهم في تكوين العقل العربي المعاصر، وكان أبرز رواد حركة التنوير في الفكر العربي ـ لن ينتج لنا سوى نوعية من أولئك الذين يجهلون قيمة العلم والعلماء.


من أقواله الشهيرة أثناء أزمته الكبيرة بسبب كتاب الشعر الجاهلي: «جادلوني بدلاً من أن تتهموني، فإن ما أكتبه هو اقتراح للمناقشة، أقنعوني ولا تقمعوني».


لماذا طه حسين الآن وليس هذا موسم الحديث عنه، فلا هو ذكرى ميلاده ولا ذكرى وفاته؟.. أظن أن الإجابة تكمن في أصل الداء الذي نعيشه، وهو أزمة التعليم وانتشار الجهل والجهلاء، ولا مخرج لنا من تلك الحالة إلا بالبدء الجاد نحو حل قاطع لمشكلة التعليم، وعندما نصل إلى هذه النقطة يقفز إلى الذهن أشهر عدو للجهل والجهلاء، وأحد أكثر الذين يحضر اسمهم عند الحديث عن التعليم.. فعلاً نحن بحاجة إلى نموذج طه حسين في وقتنا الراهن.